تعريف الآجيبرو أو الدعاية الماركسية
الآجيبرو Agitprop هو علم نشر الأفكار التطبيقي، ويُطلق خاصة على الدعاية الشيوعية المستخدمة في روسيا السوفيتية، والتي تنشر للجمهور العام من خلال وسائل الإعلام الشعبية مثل الأدب والمسرحيات والكتيبات والأفلام وأشكال فنية أخرى ذات رسالة سياسية واضحة. نشأ المصطلح في روسيا السوفيتية كاسم مختصر لقسم التحريض والدعاية، والكلمة مركبة من الكلمتين اللاتينيتين “Agitation, Propagande” أي “تحريض، دعاية”، والتي كانت جزءًا من اللجان المركزية والإقليمية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي داخل جهاز الحزب. كان كل من التحريض Agitation (العمل بين الناس الذين لم يكونوا شيوعيين) والدعاية Propagande (العمل السياسي بين أعضاء الحزب) من مسؤولية قسم الآجيبرو agitpropotdel أو APPO. ويوجد للآجيبرو كلية خاصة في موسكو، ويُعتقد أنها كانت سرية، والأجيبرو عادةً يروّج لأيديولوجية وسياسات الحزب الشيوعي، ويحاول إقناع الجمهور العام بدعم الحزب والانضمام إليه ومشاركة مثله العليا، وقد كان أول رئيس لقسم الدعاية والتحريض في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري يفغيني بريوبرازينسكي.
مسرح الآجيبرو
لقد أدى تطور الدعاية الماركسية إلى ظهور مسرح الآجيبرو، وهو مسرح مسيّس للغاية نشأ في أوروبا الشرقية في عشرينيات القرن الماضي وانتشر حتى إلى الولايات المتحدة. وتعتبر مسرحيات بيرتولت بريخت مثالاً بارزًا. وقد اشتهر مسرح الآجيبرو الروسي بشخصياته المصنوعة من الورق المقوى ذات الفضيلة الكاملة أو الشر الكامل، والسخرية الفظة. ودريجيًا بدأ مصطلح agitprop لوصف أي نوع من الفن المسيس للغاية.
استخدام الصحافة
كانت الإستراتيجية الماركسية البلشفية منذ البداية هي الوصول إلى الوسيلة الأساسية لنشر المعلومات في روسيا وهي الصحافة. فعادت صحيفة برافدا الاشتراكية إلى الظهور في عام 1917 بعد إغلاقها من قبل الرقابة القيصرية قبل ثلاث سنوات. وأصبح البلاشفة البارزون مثل كامينيف وستالين وبوخارين محررين في جريدة البرافدا أثناء الثورة وبعدها، مما جعلها رمزًا خاصًا بالثورة البلشفية. ومع انخفاض شعبية وقوة وسائل الإعلام القيصرية والبرجوازية، تمكنت البرافدا من أن تصبح المصدر المهيمن للمعلومات المكتوبة للسكان في المناطق التي سيطر عليها الجيش الأحمر.
شبكات التحريض الشفوي
أدركت القيادة البلشفية أنه لبناء نظام دعائي دائم، فإنها تحتاج إلى كسب دعم جماهير الفلاحين الروس عن طريق التحريض الشفوي والدعاية الرمادية. وللقيام بذلك، نظم لينين حزبًا شيوعيًا اجتذب الجنود المسرّحين وغيرهم ليصبحوا مناصرين للأيديولوجية البلشفية، مرتدين الزي العسكري؛ أرسلوا للسفر إلى الريف كمحرضين للفلاحين. وقد أسست شبكات التحريض الشفهي وجودًا في المناطق الريفية المعزولة في روسيا، مما أدى إلى توسيع القوة الشيوعية، وقد تطبيق الدعاية الشفوية أيضًا في المناطق الحضرية إلى جانب الدعاية الرسمية، لما لها من أثر أكبر.
وسائل النقل والمنشورات التحريضية
ولتوسيع نطاق شبكات التحريض الشفوي، كان البلاشفة روادًا في استخدام وسائل النقل الحديثة للوصول إلى عمق روسيا. حيث حملت القطارات والسفن المحرضين مسلحين بالمنشورات والملصقات وأشكالٍ أخرى مختلفة من الآجيبرو. وقد تضمنت عربات القطارات مرآبا للدراجات النارية والسيارات من أجل توصيل المواد الدعائية إلى المدن الريفية غير القريبة من خطوط السكك الحديدية. كما سعت القطارات التحريضية لإيصال المحرضين إلى أوروبا الشرقية، وقامت بإنشاء محطات دعائية تتكون من مكتبات للمواد الدعائية. وتم تجهيز القطارات أيضًا بأجهزة الراديو ومطبعة خاصة بها، حتى يتمكنوا من إبلاغ موسكو بالمناخ السياسي للمنطقة المستهدفة وتلقي تعليمات حول كيفية طباعة الدعاية المخصصة لها على الفور للاستفادة بشكل أفضل من الموقف.
الآجيبرو علم الدجل
إن المعنى الحقيقي أو الضمني المعنوي للآجيبرو هو “علم تسخير الشعوب وهي تظن أنها تعمل لصالح قضيتها”، فهو الاسم الصحيح الذي يجب أن يُسمى به، فهي الفتنة التي ينطبق عليها الاسم “فتنة الدجال” بالتمام والكمال، وعلى سبيل المثال، كانت القاعدة التي اتخذوها في العشرينات وحتى قبيل منتصف الثلاثينات كقاعدة رئيسة، هي القاعدة التي تقول “الصغار ينسون والكبار لهم القبور“، وهذا يعني: اقتل، أبد، دمّر، فالصغار ينسون والكبار يموتون. ثم منذ قبيل منتصف الثلاثينات، حلت محلها كقاعدة رئيسة أخرى، وهي القاعدة التي تقول: ((اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب وسوف تصدق الكذبة)).
مراحل تطور الآجيبرو في العالم العربي
لم تكن الدعاية الشيوعية في العالم العربي مماثلة تمامًا لروسيا، فاستخدموا قاعدة “ركوب الموجة”، وعلى أساسها وجدت فكرة ركوب موجة القومية العربية الأولى التي كانت قومية متديّنة، أو كما صاروا يسمونها بعد ذلك “القومية العربية اليمينية” وصارت تُنعت هي وكل التوجهات الدينية الأخرى بالرجعية، وبعد الحرب العالمية الثانية، كانوا قد توصلوا بتجاربهم بين الشعوب الغافلة أو المنتكسة حضاريًا، إلى أن هناك قاعدة أخرى من القواعد الكثيرة المعمول بها هي أكثر أهمية، وهي القاعدة التي تقول “يجب أن نعرف طبيعة المجتمع لنستطيع توجيهه”، فأحلوها بالمقام الأول في مخططهم، وعلى هذه القاعدة وُجدت أحزاب تحمل لافتات إسلامية ويعمل للماركسية وتحقيق سيطرتها على بلادنا، وكوادر هذه الأحزاب يعملون له بإخلاص وتفان ظناً منهم أنهم يعملون للإسلام. وهنا يكمن الخطر الأكبر، لأنهم مستعدون للتضحية في سبيل ما يظنونه أنه في سبيل الله سبحانه.
مرحلة إعادة البناء
بقيت القاعدة الآنفة هي القاعدة الرئيسية بين القواعد الكثيرة المعمول بها في الدعاية الشيوعية حتى أوائل الثمانينات، عندما ظهرت “البيروسترويكا” أي “الترميم الثاني” أو إعادة البناء، وقد كانت القاعدة الرئيسة المستحدثة فيها هي: “يجب أن ننبثق من خصوصيات المجتمع”. وبناء على هذه القاعدة فقد ألغوا الدعاية البيضاء أو الرسمية من تكتيكهم، وبقي اعتمادهم على الدعاية الرمادية أو الشفوية كما كان، وكثفوا اهتمامهم بالدعاية السوداء. (الدعاية البيضاء هي التي يُعرف مصدرها، والرمادية هي التي تسري في المجتمع دون أن يُعرف مصدرها، والدعاية السوداء هي التي تصدر حسب الظاهر عن جماعات يظنون أنفسهم أنهم يكافحون في سبيل غاية أخرى مختلفة، ويظنهم الناس كذلك).
كما ألغوا قاعدة “الطريق الروسي إلى الاشتراكية” بالنسبة لأكثر مناطق العالم، ولكن طوّروها بالنسبة للأنظمة اللاماركسية الموجودة في ما يسمونه “أرض الميعاد” (حول فلسطين) وألغوا قاعدة “حرق المراحل” وأجّلوا قاعدة “نشر الإلحاد ومحاربة الأديان” وخففوا من شعارات “صراع الطبقات” و”صراع التناقضات” وعدّلوا بعض القواعد الأخرى. وبمقابل ذلك، ضاعفوا اهتمامهم بقاعدة “الصراع مع الطبقة الحاكمة” وخاصة في النظامين اللذين يشغلان الجزء الكبير مما يسمونه “أرض الميعاد” واللذين لم تفلح كل محاولات المحور الصهيوني الماركسي بمركستهما، وهما السعودية والأردن.
الأجيبرو يعمل على إيهام الناس أنهم في الفردوس، بينما نرى أن العكس تماماً هو الذي يحدث في الأنظمة الماركسية، فالدمار الذي ينشرونه في كل مكان هو “مكتسبات ثورية”. والفقر والجوع والتشرد والإبادة هي “منجزات تقدمية”، ويخترع الجواسيس والغثاء للأنظمة الماركسية من الحسنات ما ليس له وجود، وبالتكرار والتكرار والتكرار والتكرار يصدق الغثاء ويصدق الناس، فنرى الغثاء يكذب ويكذب ويدبّج كذبته لمصلحة اليسار وهو في قرارة نفسه يعرف أنه يكذب، ومع ذلك يصدق كذبته، ويكذب ويكذب ضد أعداء اليسار ويدبّج كذبته، وخاصة ضد الذين يعملون للإسلام والذين يشكل وجودهم عقبة أمام إسرائيل الكبرى، ويصدق كذبته، وهو يظن نفسه أنه مجاهد في سبيل الله إن كان ذا عاطفة إسلامية، أو يظن نفسه أنه يعمل لمصلحة الإنسانية إن كان ذا عاطفة إنسانية. ثم يأتي هو والمغفلون الذين يشكلون الغالبية العظمى من الغوغاء، ويرددون ما يسمعون، وتتراكم الأكاذيب وتسري في مجتمعاتنا دعاية رمادية لا يُعرف مصدرها، وهكذا تُحقن العواطف والعقول بالحقد على الأنظمة التي تقف عائقاً أمام المد الماركسي بشكل عام، والتي تقف عائقاً أما إسرائيل الكبرى بشكل خاص.
زاهر طلب
1/11/2020
المصادر:
1- كتاب قتلوا من المسلمين مئات الملايين، محمود عبد الرؤوف القاسم، بتصرف.
2- Agitprop – Wikipedia، بتصرف.