ليس المقصود هنا بالضرورة الانقلاب العسكري التقليدي، فبوسع الجيش السوري أن يسير على خطى نظيره التونسي بطرده لبن علي، أو على خطى الجيش المصري الذي رفض الوقوف مع مبارك ضد الشعب.. فأي الطرق سيختار الجيش السوري؟
بالطبع هناك طرق أخرى، ومختلفة تماما، ومنها ما فعله قائد حماية طرابلس الذي فتح أبواب المدينة لحظة وصول الثوار الليبيين، وهناك الطريقة الأكثر غدرا وهي ما فعله بعض ممن تعاونوا من رجال صدام حسين مع الأميركيين قبل الاحتلال. وبالطبع، فإن الحديث عن موقف الجيش السوري الآن ليس بالبدعة، خصوصا أن الجامعة العربية قد خاطبته رسميا، وبشكل نادر، ببيانها الأخير تجاه سوريا الذي ذكر نصا بالبند الثالث من القرارات: «دعوة الجيش العربي السوري إلى عدم التورط في أعمال العنف والقتل ضد المدنيين». وتلك الدعوة بحد ذاتها يمكن قراءتها كإشارة عربية للجيش السوري مفادها أن العرب يعولون عليه لحماية السوريين من نظام الأسد، والسابقة بالطبع هنا أن العرب يخاطبون الجيش بطريقة توحي بأنه مستقل عن النظام الأسدي، كما تدل أيضا على أن العرب باتوا يتصرفون فعليا لمرحلة ما بعد الأسد، وأنهم، أي العرب، قد يرحبون في حال قام الجيش بانقلاب ضد النظام الأسدي. لكن السؤال هنا هو: هل يفعلها الجيش السوري؟
هناك بالطبع من يشكك بذلك، لكن لا بد من التنبه هنا لأمر مهم وهو أن النظام الأسدي، والمعارضة السورية، كلاهما اتفق بقصد أو دون على إيجاد مخرج للجيش، فطوال عمر الثورة السورية والتركيز كان على الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، وهذا يعني أن الذهنية السورية، بكافة أطيافها، ما زالت غير رافضة بالمطلق للجيش السوري، الذي بمقدوره أن يلعب دور الضامن للدولة، ووحدتها، اليوم على غرار ما فعله الجيش التونسي، أو المصري، لكن القناعة أن الجيش السوري لن يفعل ذلك ما لم تكن هناك تطورات ميدانية على الأرض، وليس تطورات سياسية وحسب. بمعنى أنه بحال شرع الأتراك فعليا بفرض المنطقة العازلة الآمنة على حدودهم مع سوريا، فإن احتمالات تحرك الجيش السوري ستكون أكثر جدية، وبالطبع، فإن هناك نقاشا حقيقيا يدور اليوم ليس حول جدية هذا التحرك، بل حول المساحة المقترحة للمنطقة العازلة، فالأتراك يقترحون منطقة عازلة بعمق خمسة كيلومترات، بينما المعارضة السورية، وآخرون، يقترحون عمق ثلاثين كيلومترا، وهذا ما أكده أمس رئيس «المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان» بسوريا عمار القربي.
وعليه، ففي حال شرع الأتراك بتنفيذ المنطقة العازلة، ووجد الضباط والأفراد السوريون المنشقون عن الجيش مكانا آمنا لهم، أو لأسرهم، فحينها سيهتز الجيش السوري، وقد يتحرك، وذلك تفاديا لما حدث لجيش صدام، وهو الدرس الذي استفاد منه كثيرا كل من الجيشين التونسي والمصري، حيث استطاعا الحفاظ على مؤسستيهما العسكريتين، وعلى بنية الدولة الرئيسية.. وبالحالة السورية، فهناك دوافع أخرى قد يكون من أهمها الحفاظ على الطائفة، وربما الحفاظ على الحد الأدنى من المصالح الإيرانية، وهذا أمر يجب أن يؤخذ بالحسبان، سواء للسوريين، أو العرب.