الموضوع مترجم من موقع Reset Dialogues للأبحاث والحوار. وقد تم اختيار هذا المقال لترجمته ونشره نظرًا لما يتمتع به من تعدد الأبعاد في شرح وتقديم الموضوع.
الاتفاق بين إسرائيل والإمارات: ضربة نهائية أم إحياء مفاجئ لحل الدولتين؟
حسين ابيش 26 أغسطس 2020
يُعد الإعلان المفاجئ في 13 أغسطس عن بدء الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بعملية التطبيع الكامل لجميع علاقاتهما، بمثابة “ضربة كبيرة” و”شريان حياة” مفاجئ لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، يبدو هذا متناقضًا! لكن كيفية تأثير الاتفاقية على فرص حل الدولتين ستظهر بالكامل من خلال السياق الأوسع الذي تسير فيه الاتفاقية في السنوات القادمة. ولفهم هذه المفارقة، دعونا نبدأ بالسبب الذي جعل الطرفين يوقعان الاتفاق، ولماذا قاما بذلك الآن؟
كان السياق المباشر هو التهديد الذي يلوح في الأفق بضم إسرائيلي واسع للضفة الغربية المحتلة. كان اقتراح إدارة ترامب “السلام من أجل الازدهار” الصادر في كانون الثاني بأن تضم إسرائيل ما يصل إلى 30٪ من الضفة الغربية المحتلة إلى ما وراء القدس الشرقية التي تم ضمها بالفعل، بما في ذلك جميع المستوطنات الإسرائيلية تقريبًا، ووادي الأردن ذي الأهمية الاستراتيجية. إن أي خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تحجب بشكل دائم احتمال حل الدولتين القابل للحياة، لأنه سيجعل أي دولة فلسطينية محتملة غير قابلة للحياة سياسياً واقتصادياً ومحاطة بالكامل بدولة إسرائيلية أكبر. ولا يوجد أي احتمال لقبول أي قيادة فلسطينية بمثل هذا الترتيب تحت أي ظرف تقريبًا.
ولكن حتى مجرد تحقيق ضم متواضع بحكم الأمر الواقع، مثل توسيع تطبيق القانون المدني الإسرائيلي (كما حدث في القدس الشرقية) ليشمل الكتل الاستيطانية الكبرى، مثل معاليه أدوميم وغوش عتصيون وحتى آرييل، كان من شأنه أن يحول فعليا دون إقامة دولة فلسطينية إقليميا، وهو غير مقبول سياسياً من وجهة نظر فلسطينية. ومن الممكن إذا تتحقق الضم بدعم من الولايات المتحدة على الأرجح باعتباره النهج الإسرائيلي الجديد للأراضي المحتلة، أن يؤدي من جانب واحد وبشكل دراماتيكي إلى إلغاء اتفاقيات أوسلو الأساسية، ولا سيما إعلان المبادئ لعام 1993 الذي يحدد إطار العمل المتفق عليه للمفاوضات وعدد قضايا الوضع النهائي.
بعد تعهده بالبدء بعملية الصم على الفور بحلول 1 يوليو، وذلك كما يسمح به اتفاق الائتلاف مع بيني غانتس، بدا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستعدًا للتحرك بسرعة هذا الصيف. ومع ذلك، فإن عددًا من العوامل بما في ذلك جائحة فيروس كورونا والدعوات الهادئة للتأجيل وضبط النفس من واشنطن جعلته يبحث عن مخرج. وهنا، بادرت الإمارات العربية المتحدة – التي فكرت منذ فترة طويلة في شراكة أوثق مع إسرائيل لمواجهة إيران وتركيا والشراكة في التكنولوجيا والتجارة – ورأت فيه فرصة. وبعد مخاطبة الجمهور الإسرائيلي بشكل مباشر وباحترام باللغة العبرية في الصحف الإسرائيلية، بدأ المسؤولون الإماراتيون حوارًا مكثفًا مع إسرائيل في يونيو بوساطة إدارة ترامب ظاهريًا.
إن الجانب الذي يوفر شريان حياة غير متوقع لاحتمالات حل الدولتين في هذا الاتفاق هو موافقة إسرائيل على إيقاف أي ضم محتمل. إذ أكد نتنياهو لليمين الإسرائيلي على أنه وافق فقط على تجميد مؤقت للضم، لكن كلاً من الإمارات العربية المتحدة ودونالد ترامب قد أشارا بقوة إلى أن الضم في الواقع قد أصبح “خارج الطاولة” في المستقبل المنظور. ومن الواضح أن إسرائيل ستعرّض الاتفاق للخطر إذا مضت قدمًا بتنفيذ الضم في أي وقت قريب، كما يبدو أن معظم الإسرائيليين يفضلون الصفقة على الضم. ولم لا؟ إذا يمكن القول بأن الاتفاق مع الإمارات العربية المتحدة هو فقط يضفي الطابع الرسمي على واقع قائم. ولكن بالضم لن تكسب إسرائيل أي شيء ليس لديها بالفعل، بل سيكون له تكلفة كبيرة. ومن ناحية أخرى، فإن التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة له فوائد إستراتيجية وتجارية كبيرة جدًا لكلا الجانبين في السنوات القادمة، وذلك بالنظر إلى أنه كان لم يكن يمكن سوى إجراء أشكال محدودة من التعاون الفعال من خلف الكواليس. ولكن الآن ستكون السماء هي حدود دول الشرق الأوسط الأكثر تطورًا وطموحًا من الناحية التكنولوجية.
وإذا كان الضم سيكون حقًا بمثابة الضربة النهائية التي لا رجعة فيها لحل الدولتين، فإن وضعًا ما، بحيث يبدو بشكل متزايد على أنه تجميد شبه دائم لعملية الضم (خاصة إذا فاز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر)، من شأنه أن يكون منطقيًا قد أنقذ الإمكانات لمثل هذا الاتفاق النهائي (حل الدولتين)، وذلك مهما بدا بعيدًا في الوقت الحالي.
ومن ناحية أخرى فإن الغضب الفلسطيني مفهوم بالتأكيد، فلقد حطمت الإمارات النفوذ الرئيس الذي يعتقدون بأنهم لا زالوا يمتلكونه في مواجهة إسرائيل: الإجماع العربي على أن مبادرة السلام العربية لعام 2002 قد حددت الأساس لأي تواصل دبلوماسي عربي جديد مع إسرائيل. إذ تقترح مبادرة السلام العربية التطبيع الكامل بين إسرائيل والعالم العربي بأسره في حالة وجود اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالنظر إلى تبنيها لاحقًا من قبل منظمة التعاون الإسلامي، فإنه تطبيع يشمل العالم الإسلامي بأسره أيضًا. ومع مرور الوقت تم كذلك تعديل مبادرة السلام العربية لتشمل إمكانية تبادل الأراضي المتفق عليها. وفي السنوات الأخيرة تطور التفاهم حول إمكانية تنفيذ هذه الإجراءات بمرور الوقت، حيث قوبلت التحركات الإسرائيلية المهمة نحو إنهاء الاحتلال أو تحسين الظروف للفلسطينيين على الأرض بتواصل دبلوماسي عربي محدود مع إسرائيل، مما يمهد الطريق للتطبيع النهائي.
ومع ذلك فإن موافقة الإمارات على المضي قدمًا في التطبيع ليس فقط في غياب أي تقدم نحو إنهاء الاحتلال، بل بالأحرى لمنع الضم الذي يعتبره الفلسطينيون سرقة صريحة – وهي خطوة لم تتخذها إسرائيل فحسب بل كانت تبتعد عنها – هذا التطبيع يبدو للفلسطينيين أنه يزيل نفوذهم السلمي المهم الأخير على إسرائيل، وذلك بخلاف حقيقة استمرار وجودهم. وبالنظر إلى أن مبادرة السلام العربية قد أصبحت بشكل متزايد هي حجر الأساس للموقف الدبلوماسي الفلسطيني نفسه، فمن الصعب المبالغة في حجم الكارثة التي تعرضت لها منظمة التحرير الفلسطينية.
لكن هناك طريقة أخرى للنظر إلى الاتفاق، إذ نظرًا لأن الكثير من النشاط كان يجري بين إسرائيل والعديد من دول الخليج العربية، بما في ذلك ليس فقط الإمارات العربية المتحدة ولكن أيضًا عمان والبحرين وقطر وحتى المملكة العربية السعودية، يمكن القول بأن مبادرة السلام العربية قد كانت مجرد وهم مريح للفلسطينيين. فإذا كان التزام دول الخليج وغيرها كالسودان وربما المغرب بالمبادرة أمرًا خياليًا، فربما كان الأفضل الاستغناء عن خداع الذات، وعلاوة على ذلك يشير التاريخ إلى أن الدولتين العربيتين (باعتبار حالة موريتانيا المعقدة مستبعدة) اللتان تربطهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مصر والأردن، كانتا أكثر قدرة بكثير على معالجة مصالح فلسطينية محددة على الأرض بما في ذلك في غزة، مقارنة بالدول العربية التي أبقت اسرائيل على مسافة منها.
فمن المتوقع أن تحذو دول عربية أخرى حذوها وأبرزها البحرين وعُمان، وربما كذلك السودان والمغرب. وأما الجائزة الكبرى المملكة العربية السعودية فلن تفكر في اتخاذ مثل هذه الخطوة طالما ظل الملك سلمان على العرش، بسبب تمسكه بمبادرة السلام العربية وضرورة قيام دولة فلسطينية. وعندما يصعد ابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى العرش، فقد يكون من الممكن تخيل حدوث تقارب سعودي إسرائيلي، لا سيما بالنظر إلى التحول في تفكير الأجيال والكثير من الناس في العالم العربي فيما يتعلق بإسرائيل اعتمادًا على مجموعة واسعة من الظروف الإقليمية. إذ أن لدى المملكة العربية السعودية مجموعة أوسع بكثير من الاعتبارات الاستراتيجية ونقاط الضعف السياسية والدبلوماسية من الدول الأخرى، وقد تكون المعادلة الاستراتيجية للرياض منطقية وقد لا تكون كذلك عندما يحين الوقت.
إن عملية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية قد تدفع بعض الدول العربية الأخرى إلى مثلها، لكن ليس كثيرًا في الوقت الحالي. ومع أنها تسحب البساط من تحت حسابات الفلسطينيين الدبلوماسية والاستراتيجية، لكنها تحافظ على ما يبدو على إمكانية حل الدولتين في المستقبل المنظور. وإذا كان الأمر كذلك فإن الإمارات العربية المتحدة الآن في وضع أفضل بكثير للتفاوض بخصوص السياسة والمصالح مع إسرائيل مما كانت عليه من قبل. وسواء كان هذا الاتفاق يشكل زيادة أو نقصان صافي للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين يجب اعتباره سؤالًا مفتوحًا تمامًا.
حسين إيبش: باحث مقيم أول في معهد دول الخليج العربية بواشنطن.
المقال الأصلي:
Israel-UAE Deal: Final Blow or Sudden Lifeline for a Two-State Solution?