دروس وعبر من الثورة السورية، ومن كل ثورة عربية شقيقة تحب مصر وتخاف عليها، لقد كان للثورة المصرية فضل في انطلاق شرارة الثورة السورية، لكن في الثورة السورية بالذات تبيّن وظهر بطلان وكذب محور الممانعة التي كانت الثورة المصرية إلى حد ما متأثرة بأفكاره، وتبين ضلال الدعوى التي طالب بها البعض وطالب بها نبيل العربي بإعادة العلاقات المصرية مع إيران، في الثورة السورية أثبتت إيران أنها الوجه الآخر للاحتلال الصهيوني، وإذا كان من حسنات نظام مبارك رغم سيئاته أنه وقف في وجه المخططات الإيرانية، فهل لأنه كان نظاما فاسدا يجب أن نسير في كل شيء عكس ما كان يسير عليه؟ ولماذا يصر بعض الثوار المصرين على إسقاط حتى المجلس العسكري الذي وقف إلى جانب الثورة؟!
أليس في الجيش السوري الأسدي الحزبي البعثي الطائفي عبرة لكم يا أشقاءنا المصريين؟ هل كان على الجيش المصري أن يتصرف مثل الجيش الأسدي المجرم حتى تعرفوا وتقدّروا النعمة عليكم؟ نعرف أنه من الضروري تحقيق كل الأهداف المشروعة للثورة، فلماذا أنتم مصرون على تحقيقها كلها دفعة واحدة؟ ألا تخشون من الفوضى؟ ألا ترون الآن أن مصر على كف عفريت؟ ألا يصلح لو انتظرتم حتى تحصل انتخابات رئاسية وبرلمانية؟ ثم إذا لم يكن الوضع صحيحا فإنكم قادرون على إسقاطه وتصحيحه، ولا شك سيكون الأمر أسهل، ألا يكفيكم كل ما حصل من فوضى ودمار اقتصادي وتجييش طائفي؟
نصحيتنا لكم:
لقد كشفت الثورة السورية أن كل حزب أيديولوجي سواء كان بعثيا أم ناصريا أم شيوعيا أم يساريا هو مؤيد لنظام بشار الأشد إجراما في التاريخ، وإذا كان الحزب معارضا لبشار فهو مع ذلك متواطئ نوعا ما مع بشار، بشار المجرم تفوق على الشيطان في إجرامه، لقد كان مبارك أقل ظلما منه بكثير، ولا شك أن مجلسكم العسكري أفضل بكثير من مبارك، وسيكون القادم أفضل إن شاء الله، ولهذا لا تركضوا وراء كل دعوة يسارية ولا كل دعوة ثورية جذرية، ثورتكم كانت شعبية ويجب أن تبقى شعبية، لا تجعلوا ما يسمى بعلوم الثورات التي هي في الأصل نتاج الأفكار الماركسية، لا تجعلوها تخدعكم، إن نظامكم كان السابق فاسدا ولكنه ظل ديمقراطيا ولو بنسبة قليلة، والثورات السلمية في الأنظمة الديمقراطية تزيد من ديمقراطيتها وتصحح الخلل، لا داعي لإسقاط كل الدولة، نظامكم السابق لم يكن طائفيا مثل نظام بشار، وحزبه لم يكن أيديولوجيا مثل النازية ولا ماركسيا مثل حزب البعث.
أنظروا من حولكم بعد أن نجحت ثورتكم… خذوا الدروس والعبر من حولكم، أنتم أشعلتم الثورات العربية، ولكن لا تظلوا منعزلين بثورتكم عنها، أنظروا إلى النموذج المغربي ما أجمله، إصلاحات دستورية مثلت قفزة كبيرة باتجاه الديمقراطية الكاملة، وهذه التعديلات ليست نهاية المطاف، بل يمكن البناء عليها، صحيح سيتأخر قليلا الوصول إلى الديمقراطية الكاملة، ولكنهم كسبوا اقتصادهم واستقرارهم ووحدتهم الوطنية، ولكن أيضا لا تحزنوا، لقد أسقطتم مبارك ويمكنكم إكمال المسيرة بهدوء وثبات واستقرار نحو الديمقراطية الكاملة.
فحتى لو حصلت الفوضى وخسرتم الاقتصاد وتزعزت الوحدة الوطنية ودفعتم ثمنا غاليا، فهذا لن يغني شيئا عن الحقيقة التاريخية بأن استقرار الديمقراطيات يأخذ سنوات طويلة، فإذا كانت الديمقراطية الكاملة في جميع الحالات تحتاج إلى سنوات لتستقر، فلماذا لا تكون هذه السنوات مستقرة وهادئة وفيها تغيير حقيقي تدريجي وبأسرع سرعة ممكنة مع المحافظة على مكتسبات ثورتكم ولا تنجرف مصر إلى المجهول؟ لماذا لا تكون اعتصاماتكم في ميدان التحرير لها أهداف بنّاءة بدلا من إسقاط المجلس العسكري؟ هل تثقون فعلا بأن أحزاب المعارضة في أي دولة قادرة حقا على تشكيل مجلس متفق عليه بدون انتخابات؟
ألا ترون كم استغرق المجلس الوطني السوري من أشهر ليتفقوا عليه رغم شلال الدماء الذي يسيل؟ ألا ترون عندكم في مصر الاستقطاب والخلاف الشديد بين الأحزاب اليسارية والعلمانية من جهة والأحزاب الإسلامية من جهة أخرى؟ فكروا جيدا بمصير بلدكم وشعبكم وأمتكم العربية من خلفكم، لو كان في سوريا مجلس عسكري وطني شريف مثل مجلسكم لقام إليه الشعب السوري يقبل يديه ليقبل أن يقود المرحلة الانتقالية، صحيح أن هذا المجلس العسكري ربما يكون من بقايا نظام مبارك، ولكن نظام مبارك لم يكن سيئا إلى درجة أن مجلسه العسكري يستحق الإسقاط، وخاصة أنه وطني وليس حزبيا ولا طائفيا.
إن دولتكم لم تتحول بأكملها إلى مزرعة خاصة بمبارك، لقد ظل الجيش وطنيا بأكمله، في اليمن هناك جيشين الأول وطني انحاز للثورة والثاني عائلي بقي مع النظام، في سوريا حتى الجيش الذي يفترض أن يكون وطنيا قد تم تحويله إلى جيش يقوده الطائفيون والحزبيون، حتى نظام مبارك نفسه وأجهزته الأمنية لم تصل إلى 10% من مستوى إجرام وظلم نظام وأجهزة بشار الستالينية.
لا تتشددوا في ثورتكم، وتوقفوا نرجوكم عن هذا الدلع الثوري (سامحونا على هذه العبارة)، لأنكم طليعة هذه الأمة العربية، وأي دمار يلحق بكم لا سمح الله فهو لا يهون على أي شعب عربي آخر، اتقوا الله في أنفسكم وفي بقية أمتكم.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.