ظاهرة تمييع مطالب الشعب السوري وتنزيل سقفها، هي ظاهرة خطيرة جدا كانت وما تزال منذ بداية الثورة، وقد حظيت بعدة محطات مهمة، من أهمها مؤتمر هيئة التنسيق الوطني في الداخل التذي خفضوا فيها مطالب الشعب الواضحة منذ أشهر بإسقاط النظام وإعدام الرئيس إلى الاكتفاء بإسقاط النظام الأمني، ولكن وعي الشعب رفض هذه المعارضة الداخلية وربطها بالنظام، فهل الظاهرة مقتصرة على هيئة التنسيق الوطني؟ لا… فأحيانا يتم إعادة تسويق أطياف معارضة أخرى بحجة افتضاح تواطؤ طيف معين مع النظام، مثل تسويق برهان غليون لأن روسيا رفضته وتبنّت هيثم مناع، ولكن الحقيقة أن هيثم مناع كان مرفوض شعبيا قبل أن تتبنّاه روسيا، وربما كانت تلك حركة روسية غير مباشرة لتسويق غليون! وخاصة أنه هو الآخر عمل كثيرا في تصريحاته على محاولة تخفيض سقف مطالب الثورة الواضحة، واعتذر عن قبول المساعدة العسكرية من المجلس الانتقالي الليبي.
وها هو برهان غليون يظهر على الجزيرة وقد وصفته الجزيرة بأنه رئيس المجلس الوطني، ثم بدأ بامتداح العصيان المدني وأنه “من الممكن إسقاط هذا النظام بقوة الشعب السلمية!!” بدون لا حظر جوي ولا دعم الجيش الحر، وكأن هذه أمور كمالية… إن من يضحك علينا ويزعم أنه يريد إسقاط مثل هذا النظام فقط بأساليب سلمية فهو وجه آخر لمن يريد فقط إسقاط النظام الأمني، هذا النظام لا يسقطه إلا القوة العسكرية، وينطبق نفس الأمر على ميشيل كيلو وحازم نهار الذين أعلنا انفصالهما عن هيئة التنسيق الوطني لأنه افتضح أمرها، ولكن أصل المشكلة ليست فقط في الانتماء إلى هذه الهيئة أو إلى المجلس الوطني، المشكلة هو تمييع الثورة وتخفيض سقف مطالبها.
ومن الأساليب أيضا مسرحية ذكرها الصحفي إياد شربجي أعدها النظام لاسقبال وفد الجامعة العربية وإقناعه بأن يقوم النظام بالحوار مع المعارضة (ممثلة بالجبهة الشعبية) بقيادة قدري جميل القيادي بالحزب الشيوعي، ويذكر الشربجي في نفس الوقت أن هيئة التنسيق الوطني نأت بنفسها عن ذلك، ولكن يبدو جليا أن المسرحية سخيفة لدرجة لا نحتاج معها إلى تحذير السيد شربجي، بل يبدو أن هذا التسريب “العظيم” لا يعدو محاولة لإعادة تلميع ومكيجة وجه هيئة التنسيق الوطني الكالح، ربما تمهيدا لقيامها بمحاولة جديدة لتخفيض سقف الثورة، فكيف تمكن الصحفي إياد الشربجي من فضح هذا المخطط “الخطير” وهو في الداخل؟ وإذا فشلت الهيئة في هذا مرة أخرى، فهناك شخصيات في المجلس الوطني لا تزال تحاول العمل على ذلك.
وهنا من الممكن استخدام تشبيه شبكات أو أفخاخ الصيد، حيث يقوم النظام المجرم بنصب الأفخاخ في كل مكان ممكن من أجل إجهاض هذه الثورة أو تخفيض مطالبها وتمييعها، فإذا فشل هذا الفخ فقد يصيب الفخ الآخر، وهكذا… بل لا أستبعد أن ينصب عملاء له في الجيش السوري الحر، بحيث يتفق مع النظام على الانشقاق والعمل على التجسس على الجيش الحر ومحاولة حرفه عن مساره الصحيح، وهذا قد حصل حيث أعلن الجيش الحر عن اكتشاف ضابط مندس برتبة عميد انشق صوريا من المخابرات الجوية للتجسس عليهم.
ومن أساليب تمييع مطالب الثورة أيضا هو الإعلان عن إعطاء النظام الإيراني فرصة ليتخلى عن نظام بشار ويبني علاقات جديدة مع الشعب السوري!! وذلك بمناسبة أول مرة يصرح فيها أحمدي نجاد (شريك بشار في الجريمة) بأنه يدين المجازر والقتل من الطرفين في الثورة السورية، أقول: لنتخيل مثلا أن بشار أو ماهر خرج بتصريح يدين المجازر والقتل الذي يقوم بها الشبيحة!! فهل بعد كل هذا سوف تنطلي علينا هذه الأكاذيب السخفية ونعطي بشار فرصة ليتخلى عن الشبيحة ويبني علاقات جديدة مع الشعب السوري؟؟ ينطبق نفس الأمر على إعطاء فرصة لروسيا والصين وأي دولة شريكة لهذا النظام في الإجرام، وكل من يرجو خيرا من هذه الدول فهو يميّع الثورة السورية ويخفض مطالب الشعب السوري الذي قال بكل وضوح: “لا إيران ولا حزب الله… بدنا رئيس يخاف الله” وقال: “لا روسيا ولا الصين… الشعب السوري ما بلين”.
لكن الذي أصابني بالكآبة هو أن يصدر مثل هذا الكلام عن إعطاء فرصة لأحمدي نجاد من صفحة الثورة الرئيسة في أحد منشوراتها عقب خبر إدانة أحمدي نجاد للقتل من الطرفين!! فأصابني الغثيان… وقلت في نفسي: حتى أنت يا صفحة الثورة؟؟!!