كثر الحديث وكثر الجدل حول صعود الصين الأخير، ما بين مؤيد متحمس ومعارض متوجس، فهل هي حقًا الدولة التي سوف تحرر دول وشعوب العالم من الهيمنة الاستعمارية الغربية كما يُسوق لهذا الكثيرون؟ أم هي دولة أكثر استعماريةً وأشد خطرًا من العالم الغربي وسوف تجعلنا نترحم على زمن الاستعمار؟ في الواقع، إن التفكير بالتحرر من الهيمنة الغربية والقطب الواحد هو أمر شرعي، ولكن يجب التفكير والتأكد أن البديل ليس أسوأ، ولا حتى مجرد عملية استبدال متسلط بمتسلط آخر! فضلًا عن أن يكون البديل أكثر سوءًا بكثير، كما سوف نرى في النموذج الصيني!
خدعة استغلال تاريخ الحضارة الصينية
تحاول الصين تسويق نفسها كقائد للعالم بالنظر إلى تاريخ حضارتها العريق والمشرق والجميل… وما إلى ذلك، وكذلك بالنظر إلى نهضتها الاقتصادية الهائلة في العقود الأخيرة، لكن الخدعة تنطوي في أفضل الأحوال على استبدال احتلال باحتلال آخر، وهي بالأساس فكرة غبية، فما بالك بأن الصين في واقع أمرها هي دولة شيوعية يحكمها الحزب الشيوعي الذي لا يمت في الأصل بأي صلة لتاريخ حضارة الصين، كما أنه لم ينجح طيلة 50 عامًا من الحكم قبل النهضة الأخيرة إلا في نشر البؤس والموت والفقر والجوع، حيث لم تنجح نهضة الصين مؤخرًا إلا بإزاحة تطبيق الشيوعية مؤقتًا وتطبيق طرق الاقتصاد الغربي الرأسمالية الحرة، والآن أصبحوا يريدون إعادة تطبيق الشيوعية بالاستفادة من الاقتصاد القوي الجديد ثم نشر السيطرة الشيوعية على العالم! وبهذا الشكل ستكون النتيجة هو العودة مجددًا إلى المربع الأول، مربع البؤس والفقر والمجازر الشيوعية الجماعية بالملايين.
الخطر الشيوعي يطل برأسه من جديد
من المعروف كم كان مقدار الخطر الشيوعي قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، وكم قتلت الشيوعية من عشرات الملايين حول العالم، ولكن بعد انتشار أكذوبة انتهاء الشيوعية، أصبحت الشيوعية تعمل في الخفاء وتسترت بأقنعة من الليبرالية والرأسمالية المؤقتة إلى حين تستعيد قوتها، وعنوان مخططها هذا يسمى بـ “الانبثاق من خصوصيات المجتمع” أي أن الشيوعية في كل دولة تتخلى ظاهريًا عن أفكارها الإلحادية والاشتراكية وتتظاهر بأنها أصبحت جزءًا من المجتمع، فإذا كانت في مجتمع إسلامي تتظاهر بالإسلام، وإذا كانت في مجتمع ذو حضارة عريقة مثل الصين، فإنها تتظاهر بإطلاق حرية الاقتصاد وتحاول إيجاد روابط لها مع التاريخ الصيني، ولكن الخطة الأصلية هي إعادة الشيوعية بشكلها الأصلي المدمر، ولكن بعد أن تتحصل على ما يكفي من القوة.
وفي الآونة الآخيرة تطورت هذه المرحلة، لنلاحظ الانتقال من “الانبثاق من خصوصيات المجتمع” إلى الانصهار تمامًا مع خصوصيات وتاريخ المجتمع والحضارة، وذلك بشكل يصبح لدينا نظامٌ قادرٌ على إقناع الشعب أنه نظام صيني أصيل نابع من صميم تاريخ “حضارة التنين” ويريد أن يحكم العالم ضمن هذا السياق التاريخي! لكن الحقيقة هي بقاء الشيوعية هي المسيطر الأساسي فيه، وهنا لدينا ما يشبه الابن المهجّن الذي فيه مورثات من أم شيوعية وأب صيني وقد اندمجت فيه بشكل كامل الأيديولوجيا الشيوعية القبيحة مع ثقافة الصين بكل طموحاتها وأساطيرها الجميلة!
ترويج الصين كمنقذ!
من الخطأ الفادح، بل هي من الجرائم التي لا تُغتفر إذا كان صاحبها يعلم بخطورتها، ما يقوم به كثيرون من الترويج للعصر الصيني والقرن الجديد بقيادة الصين! من ذلك مثلًا فيديو نشرته مؤخرًا قناة “ميدان” على اليوتيوب التابعة لمؤسسة الجزيرة الإعلامية، حيث تسوق بكل تبجح للصبن كامبراطورية جديدة ستحكم العالم، ولا تخجل أبدًا من ذكر وحشتيها وقسوتها وغطرستها البربرية بطرق ملساء، بل تحاول إثارة إعجاب المشاهد بكل بذلك! فليت شعري هل الإنسان يكره السيطرة الأمريكية إلا بسبب ما يعتقد أنها سيطرة وغطرسة، فهل الإنسان يريد التحرر وتحقيق العدالة؟ أم يريد استمرار العبودية بسيد آخر أشد سوءًا وغطرسة؟ إنهم يروجون لذلك مستغلين عواطف الجماهير وانفعالاتها وحقدها على الغرب بتاريخه الاستعماري، دون أن يشعر أو ينتبه هذا الجمهور المسكين أن يقع في فخ أشد، والأمر واضح كل الوضوح فقط لو تم تنحية العواطف الجياشة وقراءة الواقع والتاريخ بحيادية.
اضطهاد المسلمين والحريات في الصين
إن من أبسط الأمثلة والمؤشرات الواضحة بشكل صارخ لكل ذي لب على صحة ما نقول هو بالنظر ومقارنة واقع المسلمين ومؤشرات الحريات بين الصين والعالم الغربي، فنجد الحريات مكفولة وحرية ممارسة الأديان مصونة في الغرب حتى ولو كان المسلمين من غير المواطنين، في حين يعيش في الصين مسلمين صينيين في إقليم سينكيانج أو تركستان الشرقية، ولكن يلاقون أشد صنوف القمع والتعذيب والاعتقال والمنع من ممارسة شعائر دينيهم الأساسية، بل إن حتى الصيام والصلاة ممنوعين! فماذا ننتظر من هذه الامبراطورية المجرمة من خير؟ ولننظر أيضًا إلى ما تحاول الصين فعله بإلغاء الحكم الذاتي والحرية النسبية في هونغ كونغ، رغم أنها وضعية قامت على اتفاقات دولية، كما لا تفتأ الصين تهدد جيرانها في تايوان وغيرها، وتحاول السيطرة بشراسة وأنانية على بحصر الصين الجنوبي الذي تتشارك معها فيه عدة دول وشعوب، فعن أي تحرير يتحدث هؤلاء العبيد المروجون للصين؟ لا شك أنهم عشاق الاستعباد والمصابين بالعقد النفسية التي تمنعهم من رؤية الحقيقة والبحث عن الحرية الحقيقية!
زاهر طلب
18/9/2020