“لا شك أن هذه الثورة عظيمة ولم يكن بالإمكان تخيل الأوضاع الحالية في بداية هذا العام”، هذه العبارة السحرية تطل علينا كل ما انتقد أحدهم بطء التحرك نحو تأمين الحماية الدولية للثورة السورية، لكن الأمور لا تحسب هكذا، فلولا وجود هذا الكم الهائل من القمع والإجرام والحصار لكانت هذه العبارة صحيحة على إطلاقها، نحن لا شك معترفين وممتنّين جدا لهذه الثورة أن أدخلت الشعب في الحرية من أوسع أبوابها، ولكن ما نتحدث عنه ليس فشل أو نجاح الثورة في إدخالنا في عالم الحرية، وإنما ضرورة الحماية من هذا البطش والإجرام الذي لم نرَ له مثيلا من قبل.
يجب علينا جميعا أن تكون أكثر جدية ووضوحا، ويجب أن نوقف الميوعة في مواقفنا في خضم هذه الأحداث الخطيرة والمتسارعة، فمثلا لماذا تأخرنا كثيرا في تسمية أحد أيام الجمعة بجمعة دعم الجيش الحر أو طلب الحظر الجوي؟ ولماذا مثلا تسمية يوم الوفاء لطل الملوحي في أشد الأيام بطشا على أهل حمص وتدميرا وإهلاكا؟ أهذا هو وقت طل الملوحي (مع كامل الاحرام والوفاء لها طبعا)؟ أليس الأولى تسميته بيوم نجدة حمص على سبيل المثال؟ وطبعا هناك كثير من التسميات الموفقة مثل سبت الشهيد مشعل تمو وغيرها الكثير.
ثم لماذا دائما نتحرك بعد وقوع الفاس بالراس، أليس الأولى أن نحاول أن تكون تكتيكاتنا استباقية، فنحن للأسف لا نتحرك استباقا ولا حتى بعد وقوع الفاس بالراس، وإنما بعد ذلك بفترة طويلة، فحتى بعد أن دمر النظام مدينة الرستن، وانسحبت منها كتائب الجيش السوري الحر، لم نقبل أن نسمي الجمعة بجمعة دعم الجيش الحر.
أرجو لنا جميعا أن نعي جيدا حجم هذه المرحلة، ليلاحظ الجميع جيدا ويفتح عينيه جيدا، أن هذه الثورة الشعبية بعد أن أسقطت شرعية العصابة، تعمل أولا بأول على جرف الدجالين والكذابين والمنافقين والمتلسقين والمعارضين المتعاملين مع النظام، وإني أخشى أن يأتي يوم غير بعيد يضطر فيها الشعب لأن يجرفنا جميعا إذا لم نكن ملبين جيدا لمطالبه، وإذا لم نتخلص من هذه الميوعة الطفولية في بعض الطروحات. ولذا أرجو أن نتحمل النصيحة لمصلحة الشعب والوطن، لا أحد من الشرفاء يريد شق الصف، فلنلتزم تماما بما يريد الشعب، ولنأخذ بجدية ما تقوله أغلبية الشعب، ولتكن طروحاتنا استباقية، فالدماء يجب صونها حمايتها قبل أن تقع الفاس بالراس، وإلا فسوف تكون العواقب سيئة على الشعب والثورة أولا.
إن أهم نصيحة خطيرة جدا وتحذير خطير أريد تقديمه لنفسي أولا ولكل من عمل على مساعدة الشعب السوري وتشجيعه ليقوم بهذه الثورة العظيمة، هي أن من قام بتشجيع هذا الشعب للنزول إلى الشوارع والساحات ضد هذه العصابة الأسدية والبعثية المتفوقة في إجرامها والمدعومة من دول إجرامية عظمى أكبرها الصين وإيران وروسيا، إلى كل من قام بتثوير هذا الشعب، ربما نكون كلنا شركاء في جريمة إبادة هذا الشعب إذا لم نعمل بأقصى سرعو ممكنة لتأمين الحماية الحقيقية له، إضافة إلى إعطاء الشعب قدرة حقيقية فعالة على إسقاط النظام، فلا يكفي مجرد مراقبين دوليين أبدا، فهؤلاء سيأخذهم النظام إلى حيث لا يوجد قتل وتشبيح، أو حتى لو نجحوا جدلا في إيقاف العنف ، فلا يمكن ولا حتى بعد 100 عام أن يسقط النظام بواسطة ثورة مظاهرات سلمية، انظروا إلى حالة اليمن التي أحيانا يكون فيها العنف متوقفا، ولكن لا يمكنهم للآن إسقاط النظام، رغم أن 80% من الجيش مع الثورة، ورغم أنهم يحظون بمبادرة خليجية لتنحي الرئيس لم تحظ الثورة السورية بمثلها، وها هم أخيرا يلجأون إلى مجلس الأمن ليجبر الرئيس اليمني على تطبيق المبادرة.
لنصحوا على حالنا جيدا لأننا أكثر الناس مسؤولية أمام الله يوم القيامة، وأمام محكمة الشعب أيضا بعد سقوط النظام، إن كل تأخير ثمنه أرواح، وإن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون من إزهاق روح واحدة، وربما يطالب الشعب بمحاكمات ضد المعارضة لتأخرها في الاتحاد، هذا التأخر الذي كلف كثيرا من الأرواح، لنكن على قدر المرحلة، أرأيتم كيف لم يكن الفيتو الشيوعي واحدا، بل فيتو مزدوج روسي وصيني، مع أن واحدا كان كافيا، لكن هي رسالة وقحة وواضحة جدا بأن روسيا والصين داعمون لهذا النظام ولن يتركوه مهما كلفهم الثمن، ولو اضطروا فعلا أن يقتلوا نصف الشعب السوري.
روسيا قتلت ثلثي الشعب الشيشاني وملايين من شعبها وشعوب أخرى، والصين قتلت ملايين من شعبها ومن الشعوب المسلمة فيها، ولا تقولوا توجد كاميرات خلوية وانترنت، فما هي فائدة كل هذه الصور إذا كنا رافضين للتدخل الدولي العسكري أو على الأقل الحظر الجوي؟ ما فائدة الصور إذا كان المجرم انفضح لكنه آمن من العقاب؟
من لا يؤمّن الحماية العسكري وأقولها بكل صراحة وكل وضوح للشعب السوري أو يتأخر في ذلك بدون عذر، فهو آثم آثم آثم ، وخاصة من شجع الشعب على هذه الثورة، فلنتق الله ولنتخذ موقفا يشهد التاريخ به.