كثير الذي يمكن أن يقال عما يجري في مصر هذه الأيام، وخصوصا أحداث العنف الطائفي التي اندلعت، أول من أمس، وراح ضحيتها عدد من المصريين بمختلف مشاربهم، لكن الذي يجب أن يقال، ويكرر، إنه قد آن الأوان ليواجه المصريون أنفسهم، وبكل صراحة. مصر كثيرة المشاكل، لكن المحزن فيها هو استعصاء الحلول، والسبب غياب حس رجل الدولة، وعلى كافة المستويات. فمصر ما بعد مبارك لا تقل خطورة عن مصر مبارك، حيث إن صوت العقل في غياب، سواء في الإعلام، أو السياسة، أو المنابر الدينية، وحتى الفن، فهناك مشاكل جوهرية بمصر، وأهم تلك المشاكل، تبسيط الأمور، وإخضاعها لميزان العواطف، وليس المصالح.
فرئيس الوزراء المصري يتحدث عن أيد خفية، والبابا شنودة يندد بمن سماهم «المندسين»، والإعلام المصري، ومنذ سقوط مبارك، يحذرون ممن يصفونهم بالـ«فلول». والسؤال هنا هو إذا كان الجميع مدركا أن خطرا ما، داخليا وخارجيا، يتهدد مصر، فأين صوت العقل؟ أين تغليب المصالح؟ لماذا لا يعترف المصريون بأن مشاكلهم أقدم من مرحلة ما بعد الثورة، وبالتالي فإن المشهد المصري يتطلب قدرا من التعقل، وتغليب المصالح، وأهم مصلحة هنا هي الحفاظ على وحدة مصر، خصوصا أن الجميع، سواء تقارير، أو بيانات، أو مؤسسات، كلها تحذر من أن مصر على وشك الانهيار الاقتصادي، دون أن يستجيب أحد، فإذا كانت درجة الشك بين المصريين كبيرة، فيجب أن يكون يقينهم أكثر رسوخا بأن المركب الذي يقتتلون من أجل السيطرة عليه على وشك الغرق.
القضية بمصر ليست قضية مندسين، أو فلول، وأيد خفية، القضية هي قضية مصرية صرفة، فالإخوان المسلمون، مثلا، منقسمون فيما بينهم، صقور وحمائم، شباب وشياب، وهناك شخصيات استقلت عن التنظيم الأم. وبعد الحذر من «الإخوان»، خرج السلفيون بطريقة صدمت المصريين، وها هم الأقباط يقتحمون المشهد، وبشكل مفزع، وهذا ليس كل شيء، بل إن على المصريين أن يسألوا أنفسهم: كم عدد الأحزاب الشبابية اليوم، وما حجم التباين فيما بينها؟! وعندما يضاف كل ما سبق للدور الإعلامي بمصر، نكتشف أن المشهد في مصر بات مرعبا بشكل كبير.
وبالطبع هناك إشكالية أخرى من شأنها تعقيد الأمور المعقدة أصلا، وهي إقحام الجيش المصري في المشهد السياسي، وصراعاته، وكذلك في النزاع الطائفي، وهذا خطر على الجيش ومصر، والمصريين، فمن الواجب أن يكون الجيش ضامنا وحكما اليوم، وليس طرفا، ولذا فمن المصلحة أن يكون بين المصريين والجيش اليوم مجلس رئاسي مدني يشرف على المرحلة، ليعود الجيش إلى ثكناته، ويصبح ضامنا لإتمام العملية السياسية، لا طرفا بها بالشكل الذي يحدث اليوم، فدور الجيش هو ضمان سلامة الدولة المصرية، وحماية مؤسساتها بهذه الظروف، إضافة إلى حماية حدود مصر من أي مخططات خارجية، أو اختراقات.
وعليه، فعلى عقلاء مصر أن يختاروا؛ إما الحفاظ على دولة عرفت فن التعايش، والريادة، حتى تحت الاستعمار، أو أنهم سيكونون شركاء بخراب المحروسة، لا قدر الله.
نقلا عن الشرق الأوسط – مصر أمام نفسها