تهميش خطر الاستعمار الروسي
يتفق الجميع على التحذير من أخطار الاستعمار الغربي الأوروبي، وعلى ما نتج عنه في تاريخ العرب والمسلمين الحديث من مآسٍ وحروب وجرائم وفقر وتبعية وتجزئة وما إلى ذلك. إلا أنه في نفس الوقت كثيرًا ما يتم تجاهل الحديث حول دور دول استعمارية كبيرة أخرى مثل روسيا والصين وإيران، مع العلم أن هذه الدول تحتل من بلاد المسلمين مساحات تفوق مساحة الوطن العربي بأكمله! وقامت بارتكاب جرائم ومجازر وتفقير وتهجير بعشرات الأضعاف مما قامت به الدول الاستعمارية الغربية، وقد كان لهذه الدول دور استعماري سلبي كبير قبل تحولها للشيوعية، ثم صار لها دورها أسوأ بكثير بعد أن صارت شيوعية وتحمل زورًا ودجلًا شعارات تحرير الشعوب ومناصرة الفقراء والمساواة بين الشعوب! فدعونا نرى ما القصة؟
بلاد المسلمين التي تحتلها روسيا الشيوعية
كانت روسيا القيصرية قبل الثورة الشيوعية دولةً استعمارية بامتياز، ولها أسبقيات وتاريخ عريض في السعي للسيطرة والتوسع على حساب الدول المجاورة لها، حتى أطلق عليها لقب “الدب الروسي”، فقد ارتكتب بحق المسلمين مجازر الإبادة الجماعية والتهجير القسري في كثير من البلاد، مثل تهجير شعوب الشركس في القوقاز وتهجير تتار القرم، وعملت على توطين الروس في أراضيهم بعد قتلهم وطردهم منها، واستولت على خيرات أرضهم وثرواتها لعدة قرون، وذلك قبل بدء الدول الغربية نفسها باستعمار الشعوب العربية والإسلامية.
وبعد الثورة البلشفية الشيوعية التي زعمت أنها جاءت لتحرير العمال والشعوب من الظلم والاستغلال والاضطهاد، وبعد إعطاء العهود والمواثيق لهذه الشعوب المستعمرة باستقلال، انقلبت ونكثت بوعودها ونفذت مزيدًا من سياسات التهجير والإبادة الجماعية والتجهيل والتجويع بأضعاف مضاعفة مما كانت تفعل روسيا القيصرية، وخاصة في عهد ستالين حيث وصلت الأمور إلى ذروتها بتهجير وبإبادة شعوب بأكلمها مثل شعب الشيشان وتتار القرم وغيرهم بأرقام وصلت إلى ما يفوق مئة مليون قتيل. ولم تكتف روسيا الشيوعية بذلك، وإنما عملت بالسيطرة غير المباشرة على كثير من الشعوب خارج حدود الاتحاد السوفياتي عبر دعم انقلابات الأحزاب الشيوعية، فسيطرت على كثير من الدول مثل أوزباكستان وتركتسان، وأخيرًا على أفغانستان التي رفض شعبها هذه السيطرة وثار عليها، فاضطرت لاحتلالها بشكل مباشر، وانتهى الأمر بخروجها مهزومة بعد حرب طويلة.
لماذا تهميش ذكر الخطر الروسي؟
عند الحديث عن الخطر الاستعماري، تتوجه الأذهان مباشرة فقط إلى الخطر الاستعماري الأوروبي والأمريكي، وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل تجد العديد من الدول والتوجهات السياسية التي تنظر إلى تدخلات روسيا والصين وإيران واحتلالها لدول العالم الإسلامي وتهجيرهم وقتلهم على أنه العمل البطولي المنقذ من الاستعمار الغربي الذي لا تبلغ نسبة جرائمه 10% من جرائم استعمار الدول الشيوعية، ففي الصين تحتل الدولة إقليمًا مسلما بحجم دولة عربية كبيرة بعدد من السكان يصل إلى 100 مليون مسلم، حيث تمنعهم من إقامة شعائر دينهم وتعتقل منهم بالملايين في معسكرات تدريب لإعادة تأهيلهم على العقيدة الشيوعية وإخراجهم عن دينهم، كما أنها تمنع الصوم في رمضان، وترسل موظفين مقيمين إلى منازلهم لمراقبتهم ومنعهم من الصلاة وممارسة حريتهم الشخصية!
فما هو ترى سبب التعتيم الإعلامي والتاريخي الكبير على هذه الجرائم المهولة؟ ولمصلحة من؟ وما هي الدوافع؟
زاهر طلب
28/8/2020