إشكالية مصطلح فقه الواقع
فقه الواقع، أو تحقيق المناط، أو فقه النوازل، أو فقه الحوداث، أو فهم الواقع الخ، جميعها مصطلحات مترادفة أو يوجد بينها تداخل في الحقل الدلالي والمعنى الاصطلاحي، وفي هذا المقال سنحاول التعرف على بعض هذه المصطلحات وما تعنيه، كما ستكون هناك محاولة لتعريف وتأصيل فقه الواقع السياسي في هذا المقال وفي مقالات أخرى، وذلك باستخدام مصطلح آخر بهدف تجنب وقوع أي التباس أو تداخل مع مصطلح آخر.
تعريف فقه الواقع
فقه الواقع بالتعريف الشرعي والاصطلاح الفقهي، هو معرفة واقع وحال المجتمع المطلوب من المفتي أن يصدر الفتوى على حادثة وقعت فيه، لأن الحكم على شيء هو فرع عن تصوره، ورغم أن لدى الفقيه الشرعي المقدرة على الاجتهاد الفقهي بخلفية واسعة من أصول وقواعد الفقه، إلا أنه يحتاج لمعرفة واقع المسألة كما هو في الزمان والمكان الحالي، وليس كما كان في مسائل شبيهة في زمان أو مكان آخر، ويُطلق عليه أيضًا في المصطلح الأصولي “تحقيق المناط”، ومن أبرز وأشهر القضايا التي تعلقت بفقه الواقع لكثرة تغيرها من زمان لآخر هي القضايا السياسية والجهادية وما شابهها، فسُمي أيضًا بفقه النوازل أو الحوادث، إلا أن مصطلح يظل فقه الواقع أكثر عمومًا. وإضافةً لاشتماله على معرفة واقع المسألة، فهو يشتمل أيضًا عملية إطلاق الحكم الشرعي أو الفتوى اللازمة له.
ويُعتقد أن ابن القيم قد يكون أول من أطلق هذا التعريف، كذلك تذكره بعض أدبيات حركات العمل الإسلامي، وقد عرفه الألباني بأنه «هو الوقوف على ما يهم المسلمين مما يتعلق بشؤونهم أو كيد أعدائهم، لتحذيرهم والنهوض بهم واقعيًا لا نظريًا، أو انشغالاً بأفكار الكفار وأنبائهم… أو إغراقًا بتحليلاتهم وأفكارهم»، كما يعرفه الأستاذ عمر عبيد حسنه: «النزول إلى الميدان وإبصار الواقع الذي عليه الناس، ومعرفة مشكلاتهم ومعاناتهم واستطاعاتهم وما يعرض لهم، وما هي النصوص التي تتنزل عليهم في واقعهم، في مرحلة معينة، وما يؤجل من التكاليف لتوفير الاستطاعة»، وتنزيل النصوص هو ثمرة فقه الواقع وتفاعل النص معه. وهو مصطلح مركب أشبه بـ “فقه السيرة” أو “فقه الدعوة”، وهذا العلم يبدو أن لم يتم تقعيده بشكلٍ كافٍ وواضح مثل علم التاريخ أو فقه الحديث.
فقه الواقع السياسي
وكثيرًا ما يُقصد بمصلطح “فقه الواقع” هو معرفة أحداث العالم، خاصة منها السياسي، ومخططات أعداء الأمة، وما يتبع ذلك من تحليلات سياسية وتاريخية وما شابه. وهنا يجب التنبه إلى أن المشتغلين بهذا الشكل من فقه الواقع، ليسوا بالضرورة مؤهلين لإصدار الحكم الشرعي على الأحداث، فضلًا عن الظن بأنهم فقهاء شرعيين يمكنهم الإفتاء بشكل عام، إلا من كان منهم مؤهلًا بالفعل لهذا، كما لا يصلح الاشتغال به قبل الحصول على خلفية جيدة وكافية من الفقه الشرعي والثقافة الإسلامية بعمومها، لأن بعض التحليلات والأفكار السياسية تكون بحد ذاتها ضلالًا، وتتناقض مع أبجديات العقيدة أو أصول الفقه، والواجب تعاونهم مع علماء الشرع، فيقدمون تصوراتهم وتحليلاتهم، ليقوم العلماء الشرعيون بتقديم حكم الله فيها.
ومن أجل محاولة تجنب أي التباس بين “فقه الواقع” بمعناه العام وفقه الواقع السياسي، وكذلك بسبب كثرة تعقيد مسائل فقه الواقع السياسي وتوسعها بشكل كبير، بحيث أصبح يصعب على المتخصص بالفقه الشرعي أن يجمع بين تخصصه الأصلي وتخصص فقه الواقع السياسي، وكذلك لأن هذا التخصص الجديد ليس هو علم التاريخ أو علم الاجتماع أو العلوم السياسية أو الصحافة والإعلام، وإنما علمٌ يأخذ بطرفٍ من كل علم، وكذلك من العلم والفقه الشرعي، لذلك هو يحتاج إلى ضبط وتقعيد وتعريف، ويفضل أن يتم فصله بمسى آخر كأن يكون “فهم الواقع” بحيث يكون المتخصصون فيه متفرغون لأجله، وأن يصبح علمًا مستقلا مثل علم التاريخ وعلم الاجتماع وما شابه.
زاهر طلب
كاتب وباحث
12/8/2020
المراجع:
1- فقه الواقع
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%82%D9%87_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9
2- فقه الواقع (أصـــــــــــــول وضوابط) » الفـصـل الأول فقه الواقع مفهومه.. عناصره.. أهميته المبحث الأول: ما المقصود بفقه الواقع؟
https://www.islamweb.net/newlibrary/display_umma.php?lang=&BabId=3&ChapterId=3&BookId=275&CatId=201&startno=0
3- وقفات مع جملة : ” فقه الواقع ”
https://islamqa.info/ar/answers/138348/%D9%88%D9%82%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%AC%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%82%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9
Pingback: هل العلماء معصومون؟ – مجلة العمق نت