مقدمة :
إذا توافرت الشروط الموضوعية للثورة الشعبية ، في أي بلد من بلدان العالم ، فلا يمكن لأية سلطة مستبدة مهما أوتيت من قوة ، أن تحتجز التاريخ أو تناقض حركته المتجهة دوماً للأمام ، خاصة في عصر الثورة الإعلامية ، وتطور العلاقات الدولية ، ومحورية حقوق الإنسان .
إن النظام السياسي السوري المعروف بشموليته واحتكاره لكافة مناحي الحياة الوطنية هو نظام محكم الإغلاق ويمتنع عن الإنفتاح بالمطلق ، ولا يُنتج بطبيعته تلك إلا الأحادية الفكرية والثقافية والسياسية ضرورة ، وعدم قابليته لقبول الآخر ، وقد نتج عن ذلك خلل فادح في موازين القوى بين السلطة والمعارضة من خلال استئصالها والتنكيل بها لعقود عدة .
لهذا لم يكن الخيار المتاح أمام الجموع الشعبية الغاضبة إلا الانتفاض ضد السلطة ، وما تُنتجه من أوضاع وطنية غير صحية ، والتوجه إلى الشارع لتصحيح هذا الخلل والمطالبة بالتغيير السياسي العاجل والذي لم يعد التاريخ يقبل تأجيله ، وذلك من خلال أدوات التغيير الجديدة والتي تفتق عنها عقل الثورة ، وفي مقدمتها الاحتجاجات الشعبية: السلمية – المنظمة – المستمرة – الكُتلية ، والتي تدين العنف بكافة أشكاله ، والتدخل العسكري الخارجي تحت أي مسمى كان ، وبذلك تكون ثورة شعبية في حقيقتها وفي دلالتها وفي أهدافها وفي وسائلها .
ومن المعروف أن أطروحات النظام وإعلامه الرسمي قد بُنيت على ثلاث ركائز أساسية ، وُجهت من خلالها التهم الباطلة للثورة الوطنية :
الأولى / مسلحة الثانية / سلفية الثالثة / مؤامرة خارجية
وسنكتفي في بحثنا أدناه بالتركيز على نقض الأطروحة الأولى ، والدفع ببطلانها وتهافت دعواها .
تعريف الحركة الاجتماعية (الجزئية) :
بأنها الجهود المنظمة التي تبذلها مجموعة من المواطنين كممثلين لفئة شعبية تفتقد التمثيل الرسمي ، وتهدف الى تغيير اوضاعها لتكون أكثر قرباً من القيم التي تؤمن بها الحركة .
ويمكن أن نطلق على هذه الحركة تعبير (أهل المطلبية الجزئية ) والهادفة إلى : زيادة الأجور والرواتب ، توفير فرص العمل، تحسين شروط العمل ، السياسة التعليمية ، حماية البيئة ، النقل العام ، الضمان الصحي ، التأمينات الاجتماعية ….
تعريف الحركة الاجتماعية (الكلية ) :
بأنها أشكال متنوعة من الاعتراض ، تستخدم أدوات جديدة يبتكرها المحتجون للتعبير عن الرفض أو لمقاومة الضغوط الواقعة عليهم ، وهي أشكال منتشرة لدى كافة الفئات الاجتماعية ، والواقعين تحت الضغوط الاجتماعية والسياسية ، وقد تنمو بأشكال هادئة أو هبات عفوية.
ويمكن أن نطلق على هذه الحركة تعبير (أهل المطلبية الكلية ) والهادفة إلى : إسقاط النظام السياسي ، تطوير النظام السياسي ، إلغاء أو تعديل الدستور ، إسقاط الوزارة ، الاحتجاج على معاهدة خارجية ….
الحركة الاجتماعية شيئ والحركة الاحتجاجية شيء آخر
أولاً / في فعل الاحتجاج (الاعتراض) / واختلافه في الشكل والإدارة والأسلوب والمطلب.
ثانياً / في صاحب الاحتجاج / حيث تكون في الحركة الاجتماعية نقابة أو فئة اجتماعية محددة ، في حين أنها في الحركة الإحتجاجية قد تضم عدة قئات أو عدة تيارات فكرية، أوأكثر من قوة سياسية .
ثالثاً / في موضوع الاحتجاج / في الحركة الاجتماعية تكون مطالبها فئوية ضيقة (النظر تحت الأقدام فقط) في حين أنها في الحركة الاحتجاجية تستهدف الوصول إلى السلطة من خلال مطالبها السياسة (النظر إلى الأفق الوطني).
ظاهرة الاحتجاجات الشعبية العابرة لكافة الأنظمة السياسية … ولكن؟
إن الاحتجاجات الشعبية ظاهرة عالمية وشاملة لكافة الأنظمة السياسية على اختلاف أنواعها (الديمقراطية ، غير الديمقراطية ، الهوامش الديمقراطية).
ولكن تأثيراتها تختلف من نظام سياسي لآخر ، ومن مرحلة لأخرى ، وهذا يعتمد على مدى تقبل وتفاعل النظام السياسي مع تلك الاحتجاجات.
في النظام الديمقراطي / إن الاحتجاجات الشعبية في هذا النظام الذي أكمل بناء دولته الوطنية الديمقراطية (دولة جميع القوى الوطنية) تدفع إلى المزيد من تحصين وحدته الوطنية ، وتماسكه الاجتماعي ، وتلفت انتباهه إلى النواقص والمظالم الاجتماعية والتهميش الاجتماعي ، وبعبارة موجزة تدفع إلى تطوير نظامه السياسي ، حيث لا وجود لنظام سياسي ديمقراطي ناضج ونهائي ، بل هو يحتاج التعديل والتطوير المستمرين ، طالما أن هناك تدافع مستمر بين الفئات الاجتماعية المختلفة ، والتي هي سنة كونية حتمية.
في النظام غير الديمقراطي / إن المهمة المركزية الأساسية للاحتجاجات الشعبية في النظام الشمولي (التوليتاري) هي العمل على رفع تكلفة بقائه الأمنية والاقتصادية وتجفيف موارده المالية ، من خلال العمل المستمر على خلق وإيجاد المشاكل المتنوعة له بهدف إرباكه ، تمهيداً لإسقاطه ، وقد يستجيب هذا النوع من الأنظمة لجانب من المطالب الاجتماعية عن طريق تغييرات في بنية العلاقة بين النظام والمحتجين الغاضبين ، والذي يعمل على التحايل عليها من خلال استبدال قانون بقانون آخر، أو تأجيل إصداره ، وإيجاد المفارقة بين النص والواقع ، وبشكل عام الاهتمام بالديكوري منها دون الجوهري.
في الهوامش الديمقراطية / ففي البلدان التي لا تسمح أوضاعها الداخلية ونضالاتها الوطنية إلا بالإبقاء والتمتع ببعض الهوامش الفكرية والثقافية والسياسية ، والتي عادة ما تكون أنظمتها السياسية أقل إطباقاً وتغولاً على المجتمع وقواه ومؤسساته من البلدان ذات الأنظمة السياسية الشمولية المقصية للآخر الوطني ، وعادة ما تؤدي الاحتجاجات الشعبية هنا إلى تطوير نظامه السياسي النصف ديمقراطي أو (الواعد ديمقراطياً ) ولو بشكل بطيء ، ومن المعروف أنه كلما قام النظام السياسي لبلدان الهوامش الديمقراطية بإجراء الإصلاحات السياسية تحت الضغط الشعبي ، كلما ارتفع سقف المطالب الشعبية باستمرار (المغرب – الأردن…)
علماً أن أنظمة الهوامش تكون أكثر مرونة واستعداداً للانتقال الديمقراطي وهي الأكثر عناداً وصلابة لدى الأنظمة الشمولية والأبوية بشكل عام .
ضرورات الاحتجاجات الشعبية الكُتلية
من المعروف أن تدفق المحتجين الغاضبين للشارع في جميع المدن والبلدات والقرى وفي كل الأوقات ، ومن كافة الفئات الاجتماعية ، ولكلا الجنسين ، والرافعين للشعارات الوطنية الموحدة ، والمرددين للهتافات المدوية ، وعلى شكل كتل بشرية مليونية ، تثبت أن الشعب بمقوماته واتساع مجاله أقوى بكثير من أية سلطة مهما كانت تمتع بالقوة والسطوة .
وبهذا يمكننا أن نشير إلى ثلاث فوائد أساسية للتجمعات الكبرى للمحتجين وكُتليتها :
الأولى / كونها تدب الهلع في أوساط النظام الحاكم ، وخاصة ذراعة الأمنية والتي ترتعد فرائصها خوفاً حال رؤية التجمعات الشعبية الكبيرة ، وبالتالي الإحجام عن مجابهتها .
الثانية / أنها تشير إلى سقوط شرعية النظام السياسي الحاكم ، أمام الرأي العام الداخلي والخارجي .
الثالثة / شعور المحتجين بكُتلهم البشرية الكبيرة بالقوة وعدالة المطالب ، وهذا ما يثير فيهم الشعور الجمعي القوي ، ويدب فيهم الحماس.
أخيراً / يبقى قانون العدد البشري هو الحاكم في النهاية .
ضرورات الاحتجاجات الشعبية المنظمة
من البداهة القول أن الاحتجاجات الشعبية المتصفة بالعفوية ، كانت الصدمة المروعة للنظام السوري (تسونامي شعبي) ، وذلك نظراً لوجود عشرات الأجهزة الأمنية المتعددة والمتنوعة ، والتي كانت مكتفية بملاحقة ومتابعة المعارضة السياسية التقليدية والتنكيل بها رغم محدودية تأثيرها ، والعمل على تجريف الحياة السياسية لكافة القوى الوطنية وقتل الروح السياسية في المجتمع من خلال إيجاد مجتمع منزوع الثقافة الوطنية والسياسية ، وبعبارة موجزة تعقيم المجتمع من السياسة .
إلى أن جاء شباب الثورة الديمقراطية (الثوريون الجُدد) وفجروا انتفاضتهم الشعبية العظمى ، وتقدموا صفوف المعارضة السياسية في مواجهة سياسات النظام القمعي مستخدمين أدوات التغيير الجديدة ، وطرحوا إمكانية إسقاط النظام الحاكم ، وبناء نظام سياسي ديمقراطي جديد ، تمهيداً لبناء الدولة الوطنية ، وذلك باتباع أسلوب الاحتجاجات الشعبية السلمية – المدنية
وبناء على ما ورد أعلاه لا يمكن لأي تيار فكري أو فصيل سياسي أو طبقة اجتماعية معينة الادعاء أنه ديناميت الانتفاضة الشعبية ، فالشباب الديمقراطي هم قاطرة الثورة، ومن ورائهم كافة القوى الشعبية والتيارات الفكرية والفصائل السياسية المعارضة التي تدعمهم وتشاركهم ثورتهم .
ويمكننا أن نعزي سبب الاحتجاجات الشعبية إلى سببين أساسين :
الأول / اختلال التوازن في موازين القوى بين السلطة والمعارضة .
الثاني / توافر الشروط الموضوعية للثورة الوطنية (فشل وعود ما بعد الاستقلال على الأصعدة كافة)
صحيح أن الاحتجاجات الشعبية اتسمت بالعفوية ، وعدم وجود رأس تنظيمي لها ، وهذا مما حفظ استمرارها وديمومتها (حيث أن البلطة السلطوية كانت جاهزة لقطع هذا الرأس في الحال) ، ولكن كان عليها ان تحقق الحد الأدنى التنسيقي من خلال :
- اللجان الشعبية
- دفع المطالب الشعبية وتطويرها
- تحديد نقاط انطلاق الاحتجاجات
- تحديد نقاط التجمع الرئيسية للاحتجاجات
- طرح الشعارات الموحدة
- الاتفاق على ترديد الهتافات الوطنية الجامعة
والسؤال الموجه للثوار على الارض هو :
هل نضجت ثورتكم إلى الحد الذي يتيح لها واقعها الميداني تحقيق نقلة نوعية من الأشكال التنسيقية الحالية إلى الأشكال التنظيمية المستقبلية ؟
ضرورات الاحتجاجات الشعبية المستمرة
من المعروف أن النظام الدكتاتوري لا يقوم بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة إلا تحت الضغط الشعبي المكثف ، وهو الذي يحاول جاهداً الالتفاف عليها ، ويغتنم الفرص المناسبة للتراجع عنها بشتى الوسائل (خطوة للأمام خطوتان للخلف ) ومن هنا تتأتى ضرورة إبقاء النظام السوري تحت المطرقة الشعبية الناعمة وبشكل مستمر ، ورفع تكلفة بقائه أمنياً واقتصادياً ومالياً وإقليمياً ودولياً ، مع التأكيد على أن لكل احتجاج شعبي مردوده الإيجابي الحتمي ، واستحالة رجوع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السابقة لما كانت عليه قبل الانتفاضة الشعبية. خصوصاً أن أمام الثورة الوطنية المزيد من الهوامش الشعبية والجغرافية الكبيرة والواعدة للتوسع والانتشار عمودياً وأفقياً .
إن الاحتجاجات الشعبية هي وسيلة وليست غاية بحد ذاتها ، وهي الهادفة إلى إرباك النظام ودفع المشكلات إليه دفعاً ، سواءً للبرجوازية البيروقراطية السلطوية أم لبرجوازية القطاع الخاص الوسطى والطفيلية المتحالفة معها منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي (التحالف الأمني – التجاري )، مع استثناء برجوازية القطاع الخاص الوسطى التقليدية والتي تضررت مصالحها بشكل كبير ، واكتفت بالصمت حيال الممارسات الاقتصادية الخاطئة للنظام ، والتي من المؤمل أن تتحرك ضده مستفيدة من تفجر الانتفاضة الشعبية .
والمشكلات هي :
- مشكلات أمنية
- مشكلات اقتصادية – مالية
- مشكلات إقليمية وعالمية
- مشكلات مع المنظمات الدولية والحقوقية
وبإلقاء نظرة على الأوضاع السورية الداخلية والإقليمية والدولية يمكن بجلاء ملاحظة أن النظام الحالي يعاني من عدة مشكلات متزامنة ومتنوعة وتتجلى في صور شتى .
ومن هنا كان لزاماً علينا التأكيد على أن أي توقف مؤقت للاحتجاجات الشعبية ستعود بالفائدة على النظام القائم وتركبه سفينة النجاة ، وتقلل من حجم مشكلاته المتلاحقة والمتنوعة ، وستؤدي إلى انقسام الشارع الاحتجاجي ، وتصيب الثورة الوطنية في مقتل .
مع العلم أن النظام الحالي يقوم بتقديم العروض تلو العروض للشارع الاحتجاجي ، معرباً فيها عن استعداده لإعطاء الشعب كل شيء ، والقيام بتنفيذ حزمة كاملة من المطالب الإصلاحية ، مقابل وقف الاحتجاجات الشعبية المستمرة للإبقاء على نظامه السياسي الحالي ، وهذا ما يدلل على فعالية الاحتجاجات الشعبية ونجاعتها في محاصرة النظام.
ضرورات الاحتجاجات الشعبية السلمية .
إن النظام الاستبدادي الشمولي – المستولي على السلطة والثروة بالقوة والغلبة ، والذي يستخدم القوة المعدنية (العسكرية – الأمنية) مقابل القوة الناعمة السلمية ، لا يعرف غير العنف والحلول الأمنية للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية من خلال استخدام القوة المفرطة ، واتباع الأساليب النازية والفاشية في القتل والقمع الفردي والجماعي ، وحصار المدن والبلدات والقرى واجتياحها من خلال الغارات الأمنية واستخدام القوة العسكرية المدمرة ، وبهذا يكون النظام قد أقصى أية ممكنات سياسية تهدف لإخراج البلاد من حالة الانسداد السياسي الراهنة .
ولعل الصفة السلمية – المدنية للثورة الوطنية ، هي المفاجأة الكبرى للنظام الدموي ، من حيث استخدامها للقوة الناعمة الحضارية ، وأدوات التغيير الجديدة ، من حيث تحديد موعد وأجندة وأسلوب التغيير ، وبشكل تدريجي وتراكمي وهي :
- الوقفات الاحتجاجية
- المسيرات الصامتة
- التظاهرات
- الاضرابات الجزئية
- الإضراب العام (العصيان المدني السلمي)
ونقول لأصحاب النزعة الاستعجالية في إحداث التغيير السياسي المنشود ، أن الثورة الشعبية قد تطول قليلاً وذلك بسبب سلميتها وانتشارها على مستوى الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية من جهة ، واستهدافها إسقاط نظام شمولي مغلق والذي سينهار دفعة واحدة ، وتلك طبيعة من طبائع الأنظمة الشمولية من جهة أخرى .
وفي اعتقادنا أن اتباع النهج السلمي للاحتجاجات الشعبية ونبذ العنف وإدانته سبيلاً لإحداث التغيير السياسي مرده أسباب عدة :
السبب الأول / تجنيب العباد والبلاد مخاطر وويلات الانتقال الديمقراطي والفلتان الأمني ، خصوصاً في التعامل مع نظام سياسي مصفح أمنياً وعسكرياً من جهة ومجتمع متعدد الأعراق والأديان والمذاهب من جهة أخرى ، مع التأكيد أن هدف التغيير السياسي هو الانتقال وليس الانتقام .
السبب الثاني / رفض المواجهة العسكرية – المدنية ، بين أبناء الوطن الواحد ، وضرورة الابتعاد عن عسكرة الثورة ، واعتبارها من المحرمات الوطنية ، خاصة وأن ملايين المواطنين الواعين يهتفون..
سلمية – سلمية
السبب الثالث / إقلاع الشارع الاحتجاجي عن العسكرة المذهبية بين الطوائف الدينية ، حيث أن جوهر المعركة الوطنية اليوم هو التناقض بين قوى الاستبداد السلطوية والقوى الوطنية الديمقراطية الطامحة للتغيير السياسي ، وتحقيق الهدف القطب ألا وهو : الحرية
السبب الرابع / إن خلاصة تجارب التاريخ السياسي للمائة عام الماضية ، وفي دول مختلفة من العالم ، تفيد أن جميع القوى التي سلكت العنف وحملت السلاح سبيلاً للقفز على السلطة ، أو حملت مشاريع أيديولوجية شمولية (دينية ، قومية ، يسارية) ، لم تُنتج أنظمة ديمقراطية ، ولم تجلب التقدم والازدهار لبلدانها ، ولم تمنح الحرية للفرقاء الآخرين في أوطانهم الذين شاركوهم ثورتهم ، بل أنفردوا بالسلطة وأقصوا الآخر الوطني ، وفرضوا أحاديتهم الفكرية والثقافية والسياسية ، وذلك في (روسيا البلشفية، الصين الماوية ، يوغسلافيا التيتوية ، كمبوديا البولبوتية ، كوبا الكاستروية ، كوريا الشمالية السونجية ، ألبانيا الأنورية ، هاييتي ، منغوليا ، زائير ، الجزائر ، العراق ، سورية ، مصر ، السودان ، ليبيا ، اليمن الجنوبي – سابقاً ….)
ويبدو أن هناك علاقة وثيقة بين طريقة تحقيق الاستقلال الوطني (الثورة المسلحة ، المفاوضات … ) وطريقة القفز العسكري على السلطة من جهة ، والنظام السياسي الذي يعقبه من جهة أخرى .
السبب الخامس / إن الثورات السلمية – المدنية في كل من تونس ومصر مطلع هذا العام قد هزمت أفكار أهل العنف وممتشقي السلاح للقفز على السلطة ، وأسقطت أطروحاتهم ، وأثبتت أن العنف المسلح مجرد نتوء محدود ولا يحظى بالإجماع الشعبي في التعامل مع الأوضاع الداخلية الوطنية ، وأن اتباع النهج السلمي للتغيير هو الأنجع سبيلاً ، والأقل كلفة ، وهو الذي أثبت جدواه ، في الوقت الذي ترى السلطة القمعية أن من مصلحتها مواجهة تمرد عسكري ، كونها القادرة على مواجهته والانتصار عليه ، ولتثبت للغرب أن الانتفاضة الشعبية السلمية هي : انتفاضة مسلحة .
وأخيراً / إن بعض الممارسات الفردية – العنفية في أي وقت وفي أية منطقة ، لا تعني بأي حال من الأحوال التخلي عن النهج السلمي – المدني للانتفاضة الشعبية ، حيث أن الثورات لا تولد في الغرف المعقمة ، بل تولد وتترعرع في الشارع المتعدد والمتنوع والمفتوح لكافة المواطنين بغض النظر عن اتجاهاتهم الفكرية أو الثقافية أو السياسية، والمهم هم المسار والاتجاه العام السلمي للثورة .
إن الثائر السلمي أشد خطورة على السلطة الدموية من الثائر العنفي.