س: استشهد 53 حر في جمعة ماضون حتى إسقاط النظام منهم 21 من إدلب، وقد استهدفت في الجمع والأيام السابقة حمص وحماة ودرعا ودير الزور وغيرها، ليس المهم أي محافظة تستهدف، لكن هذه الأعداد التي سقطت كانت كبيرة بالنسبة للجمعات والأيام السابقة، والأمر مستمر على هذا المنوال منذ بداية الثورة، لذا أرجو أخذ هذا بمحمل الجد والتفكير بجدية لكي نضع أسس ونصائح للثورة في سوريا حتى نخرج منها بأقل الخسائر، لا أقول الكلام للإحباط لكن أريد الوصول إلى اقتراح لحل فعال وناجح، فما هو يا ترى يمكن أن يكون هذا الحل السحري؟
ج: بصراحة: رأيي أن التدخل الدولي ولو عسكريا هو الحل، لماذا نظل ونلف وندور ونبحث عن حل ونجرب اقتراحات جديدة واختراعات سلمية رائعة، ثم في كل مرة لا نعثر على حل عملي حقيقي؟ حان الوقت لنفهم جيدا أن التدخل الدولي حتى لو عسكريا يكاد يكون هو الحل الوحيد العملي الممكن، فهل ننتظر حتى تصبح لدينا بوسنة ثانية ثم بعدها نفهم متأخرين أنه لا حل إلا بتدخل عسكري؟
س: هل هذا يعني إعادة إنتاج السيناريو الليبي في سوريا؟
ج: التدخل العسكري في سوريا لا يمكن أن يكون على النموذج الليبي، فلكل حالة يوجد النموذج الذي يناسبها، ففي ليبيا رفضوا التدخل البري، فتجنبوا أخطاء العراق وأفغانستان، وفي سوريا يجب أن نتعلم من أخطاء ليبيا مع الاستمرار في منع عسكرة الثورة، في سوريا بقيت الثورة سلمية ويجب أن تبقى سلمية إلى سقوط النظام، وهذا يعني تدخلا عسكريا على شكل جديد يراعي استمرار سلمية الثورة.
في سوريا حصلت انشقاقات عسكرية ولكنها ليست كثيرة، يقال بأن السلاح الجوي القوي الولاء للنظام هو ما يخشى منه كثير من قادة القطع العسكرية الراغبة بالانشقاق، إذاً ربما يكون الحل أولا بتطبيق حظر جوي، ثم لنرى كم سيصبح عدد المنشقين المنضمين للجيش الحر، وهذا الجيش الحر هو جيش عسكري أصلا ولا خوف من وجود عناصر متطرفة فيه، ولهذا يمكن بكل ثقة للمجتمع الدولي امداده بالسلاح، ولا خوف من تسرب الأسلحة لعناصر من القاعدة والتي هي أيضا لا وجود لها في سوريا، كما يمكن أن تحتوي الخطة على ضرب أهداف رئيسة للنظام، مثل مقراته الأمنية وعقد اتصالاته الرئيسة، ومراكز قيادات الفرقة الرابعة ومراكز الشبيحة، وما شابه، وهذا قد يعني إصابة النظام بالعمى والطرش والشلل جراء فقدانه حاسة البصر والسمع (المخابرات)، وبالتالي قد يفتح المجال أمام نزول الملايين للتظاهر سلميا في الساحات الكبرى في دمشق وحلب كما كان الوضع في الثورة المصرية.
الأهم أنه لا يمكن الانتظار أكثر من هذا، النظام الإجرامي قد قرر التعبئة العامة، بمعنى كأنه يقول علانية: “يجب أن نزحف عليهم بالملايين لتطهير سوريا من الأحرار زنقة زنقة”، فقد ثبت لديه عدم جدوى القتل بالتقسيط، فالمظاهرات مستمرة في التصاعد، فقرر أن يقضي عليها ولو بأقسى ما لديه من قوة عسكرية ولو أدى هذا لتدخل الناتو، أصلا ما الذي منعه من القتل بأعداد كبيرة مثل القذافي حتى هذا الوقت المتأخر؟ إنه الخوف من تدخل مجلس الأمن وحلف الناتو، فإذا استمر الشعب السوري برفض التدخل العسكري فهو يبطل مفعول آخر مانع يوقف عصابات النظام عن إعادة مجزرة حماة في كل محافظة من محافظات سوريا!!
س: ماذا إذا استخدمت روسيا الفيتو وأجهضت أي قرار إدانة لجرائم النظام في مجلس الأمن؟ هل يقبل الشعب السوري بتدخل دولي عسكري بدون قرار من مجلس الأمن؟ أليس هذا احتلالا أجنبيا؟ أليس هذا هو ما حصل للعراق؟
ج: على الأرجح ستسخدم روسيا الفيتو، فهي أكبر داعم لهذا النظام لأنها القبلة الأيديولوجية لحزب البعث الاشتراكي، ولديها أكثر من مجرد مصالح في سوريا، فهنا أيضا لها نفوذ استراتيجي، وتاريخ من احتلال الجيش الروسي لقواعد عسكرية في سوريا في عهد المقبور حافظ، ثم القاعدة العسكرية الروسية الجديدة في اللاذقية في عهد الابن مقصوف العمر إن شاء الله.
وإذا حصل هذا الفيتو فهذا يعني عدم وجود قرار دولي، ولكنه لا يعني أنه لا يوجد إجماع دولي على التدخل لإنقاذ الشعب السوري، ويُضاف إليه فيتو مضاد من الشعب السوري صاحب الحق الحقيقي في تقرير مصيره، ففي حالة العراق لم يصدر قرار من مجلس الأمن ولم يكن هناك إجماع دولي، ففرنسا مثلا كانت رافضة ودول أخرى غيرها، والشعب العراقي رافض، والشعوب العربية وحتى الغربية في أغلبها رافض، وأهم شيء هنا أن التدخل في سوريا لن يكون بريا.
فإذاً نحن لسنا أمام حالة احتلال، نحن أمام إجماع دولي مشابه لقرار دولي، ولا يعيبه ولا ينقص من مقدار شرعيته الدولية ذلك الفيتو الروسي والصيني الظالم المبني على حسابات أنانية حقيرة، والبعيدة كل البعد عن حد أدنى من الشعور بالإنسانية، صحيح أن جميع الدول الكبرى أنانية واستعمارية، لكنها أحيانا تتحلى بحد أدنى من شعور إنساني تجاه أي دولة أو شعب تحل به كارثة طبيعية أو زلازل أو مجازر، إلا دول روسيا والصين وإيران وإسرائيل في هذه الحالة السورية، والشعب السوري الآن يعاني مثل ما عانى الشعب الياباني جراء كارثة الزلزال الأخير، ويستحق كل دعم إنساني.
س: البعض يخشى من تكرار ما حصل من دمار في ليبيا بسبب التدحل العسكري فما رأيك؟
ج: بالنسبة للخوف على البلد من الدمار، ووصول عدد القتلى في ليبيا إلى 50 ألف والدمار الكبير في المنشآت والبنية التحتية، فهو خوف محق في ضوء هذه المعلومات، ولكن ما الذي يجعلك تختار المر؟ إنه الأمرّ، فهؤلاء الخمسين ألف قتيل هم ليسوا بسبب تدخل الناتو بل بالرغم منه، والسبب هو إجرام القذافي لدرجة خرافية، وهذا التدخل أنقذ مئات آلاف أخرى بل حتى ربما ملايين من القتل، يا عالم… هل تعرفون كم سيكون عدد القتلى لو نجح بشار في إجهاض الثورة؟ إنه عدد لا يقل عن مليون قتيل… وسيكون كثير منه قتلا سريا في غياهب السجون، وسيكون هناك أيضا ما لا يقل عن مليوني مهجر ولاجئ، إن كل من شارك في التظاهر قد تم تصويره ليتم معاقبته لاحقا، ففي قناعة هذا النظام أنه لا يمكن ردع من استنشق عبير الحرية الأسطوري إلا بقتله والتخلص منه نهائيا.
س: هناك البعض يقول بأن الاقتصاد السوري وسيادة الشعب سيدفع ثمن هذا التدخل العسكري فما رأيك؟
ج: إن كل أموال الدنيا أرخص من روح إنسان واحد، فالإنسان أغلى ما نملك، ولا تقلقوا كثيرا من هذا الأمر، (الله بعوض) هكذا يقول أحدنا عندما يضطر لإنفاق كل ما يملك لينقذ روح ابنه إذا احتاج لعملية جراحية ضرورية لبقاء حياته، أليس كذلك؟ فما بالك بإنقاذ أرواح ملايين من أشجع وأنبل أفراد هذا الشعب السوري، أولئك الأحرار الأبطال الذين صنعوا أكبر أسطورة في الشجاعة والصمود ليس في عصور عزة الأمة وعظمتها، بل في عصر الببسي والهمبورغر.
ومن يتكلم عن نقصان في سيادة الشعب السوري واستقلاله بسبب التدخل الدولي وبسبب منّيتهم علينا، فهو يتحدث وكأن الشعب الآن يتمتع بكامل السيادة!! أو أن لديه فرصة ليتمتع بها، هذا خطأ، فالشعب قد حوله نظام البعث إلى عبيد، والانتقال من ذلك إلى سيادة حقيقية ولو فيها بعض النقص هو قفزة نوعية لا يمكن تخيلها، وهو نقص في جميع الأحوال مؤقت بزمن معين، ولا خوف على اكتمال حرية وسيادة واستقلال هذا الشعب الذي ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والنبل والتسمك بالسلمية رغم كل الإجرام والفتك به.