روسيا… السقوط الأخلاقي! (بسبب موقفها من الثورة السورية)

غير مفهوم هذا الموقف الذي تصر عليه روسيا، بعناد لا يمكن تبريره، تجاه الأوضاع المتفاقمة في سورية، فالاصطفاف ضد شعب ذاق مرارة الاضطهاد والاستبداد خلال أكثر من أربعين عاماً لا وصف له إلا بأنه سقوط أخلاقي، بالإضافة إلى أنه انهيار دبلوماسي لدولة من المفترض أنها عريقة في العمل السياسي، وأن نظامها الجديد الذي ورث ما كان قام به بوريس يالتسن الذي اختطف إصلاحات ميخائيل غورباتشوف التي كانت بمنزلة انقلاب تاريخي على نظام شمولي استمر نحو سبعين عاماً خضعت خلالها شعوب الاتحاد السوفياتي لأسوأ نظام عرفته البشرية في تاريخها الطويل. لا يوجد أي مبرر لهذا الثنائي الحاكم ميدفيديف – بوتن لمساندة نظام بشار الأسد الذي هو صورة كاريكاتورية مشوهة لنظام الحزب الشيوعي في روسيا ومعها جمهوريات منظومة الاتحاد السوفياتي السابق الذي اختطف بوريس يالتسن إصلاحات ميخائيل غورباتشوف من أجل القضاء عليه واستبداله بنظام ديمقراطي من المفترض أن يخجل حاكماه الحاليان من أنفسهما ومن شعبهما في أن يقفا هذا الموقف المستغرب ويتواطآ ضد شعب عظيم يتعرض لكل هذا التقتيل اليومي، لأنه ثار على نظام هو نسخة كربونية ممسوخة عن نظام رفضه الشعب الروسي كله وسارع إلى استبداله بنظام يتحلى بقيم هذه المرحلة التاريخية سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفي كل شيء.

إنه لا مبرر إطلاقاً لهذا الموقف الذي يعتبر كبوة أخلاقية وسياسية ستندم عليها روسيا منذ الآن حتى نهاية التاريخ، وكل هذا مقابل صفقة تجارية مع إيران، وهنا فإن ما لم يأخذه هذا الثنائي ميدفيديف- بوتن بعين الاعتبار هو أن الشعب السوري سينتصر على نظام الحزب الأوحد وعلى الاستبداد والظلم والطغيان والفساد كما انتصر الشعب الروسي على نظام حزب وصل به الترهل حتى حدود أن آخر أمين عام له ميخائيل غورباتشوف قد خجل من نفسه ومن تاريخه، فبادر إلى إصلاحاته العظيمة التي سرقها منه بوريس يالتسن في وضح النهار.

كان المفترض أن تكون روسيا في عهد هذا الثنائي الحاكم السباقة إلى الوقوف إلى جانب الشعب السوري وإلى جانب كل هذه الانتفاضات التغييرية العربية فهي كانت قد عاشت ظلاماً استبدادياً استمر أكثر من سبعين عاماً، وهي صاحبة معاناة قاسية ومكلفة من «الرفيق القائد» والحزب المتحكم في البلاد ورقاب العباد والمكتب السياسي المكون من مجموعة من الفاسدين الذين اصفرت أسنانهم وتورمت كروشهم وانحنت قاماتهم لكثرة ما طأطأوا رؤوسهم لصاحب الحزب الأوحد وصاحب المكتب السياسي الواحد وصاحب كل شيء.

سيكتشف هذا الثنائي الحاكم أنه بهذا الموقف المتخاذل الذي جاء نتيجة حسابات مصلحية قصيرة النظر قد ألصق بروسيا تهمة تحتاج إلى التخلص منها الى سنوات طويلة، فالمراهنات على الشعوب هي التجارة الرابحة، أما المراهنة على الأنظمة الاستبدادية والحكام الدكتاتوريين فهي التجارة الخاسرة، ويقيناً أن ميدفيديف وبوتن سيكتشفان مدى السقوط الأخلاقي لهذه السياسة, التي اتبعاها تجاه الثورة السورية, عندما يسقط نظام العائلتين المتحالفتين كما تسقط عمارة كرتونية تحت ضغط الرياح العاتية.

وهنا فإن المنتظر من الدول العربية التي وضعت نفسها إلى جانب الشعب السوري الذي أظهر بطولات تجاوزت كل بطولات ثورات التاريخ القريب والبعيد أن تعاقب كل الدول التي وظفت كل قدراتها الدبلوماسية، للحؤول دون أن يتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً رادعاً لهذا النظام الظالم الذي تمادى في اضطهاد شعبه أكثر من اللزوم وأول هذه الدول روسيا التي قبلت المساومة على كل قيمها لقاء صفقة مع محمود أحمدي نجاد وعلي خامنئي.

*نقلا عن “الجريدة” الكويتية

Scroll to Top