المشكلة في المعارضة ليست فقط في التنافس على مصالح شخصية، فالدماء والأرواح كفيلة بإلغاء هذا السبب والتعجيل باتحادهم، لكن هناك في صفوف المعارضة بعض العملاء للنظام بهدف شق صفوف المعارضة باستمرار، مثلا بماذا نفسر سلق الإعلان عن مجلس انتقالي لسحب البساط من مجلس آخر؟ فبعض هؤلاء هدفهم المحافظة بأي ثمن على بقاء نظام بشار، خاصة وأن القرار بإسقاط النظام قد اتخذ دوليا، وبقي الأمر متوقفا على إيجاد بديل.
وهناك أيضا نوع من المعارضة (مرضي عنها) نسبيا من قبل النظام، لاحظ مثلا أن أي معارض إسلامي أو معارض وطني من الأحزاب التي كانت تتداول السلطة قبل انقلاب البعث، هذا المعارض مكانه هو سجن تدمر أو المنفى، أما المعارض الشيوعي أو البعثي أو الناصري أو القومي أو الاشتراكي (نعبر عنهم جميعا باليساريين) فإنه حر طليق أو إن كان معتقلا فهو سجن عدرا المرفّه مقارنة بسجن تدمر، (طبعا المتظاهرين الآن ليسوا في سجون مرفهة)، لهذا أميل إلى الاعتقاد بأن المعارضة اليسارية تختلف مع النظام في المناصب أكثر من الاختلاف معه في الجوهر، فالخلاف بينهم مثلا كالخلاف بين بني أمية وبني العباس كلاهما كان يريد دولة إسلامية والخلاف بينهم هو على من يكون هو الخليفة.
فهذا النوع من المعارضة اليسارية يضطهدهم النظام لكنه لا يفنيهم، لاحظ أنهم يستطيعون التحدث إلى القنوات التلفزيونية بالهاتف من الداخل بأسمائهم الحقيقية، وحتى يمكنهم عقد بعض المؤتمرات في الداخل، ومنهم هدفه بعض الإصلاحات التي تجعل منهم أحزابا مشاركة تحت نظام بشار، خاصة بعض رموز المعارضة الداخلية. وهم أيضا البديل الذي يرضى عنه النظام إذا اضطر للسقوط، وهم البديل المرضي عنه من قبل روسيا وإيران والصين. فكلهم يريدون سوريا دولة علمانية أو يسارية.
هذا طبعا لا ينطبق على كل المعارضة اليسارية بل على الكثير منهم، ويبدو هذا جليا في من لا يزال يصر على رفض الحماية الدولية للشعب السوري الذي يُذبح حتى في الشهر الحرام، بل ومنهم من يرفض الانشقاقات في الجيش ويزعم أنه جيش وطني وينتظر منه حتى الآن أن ينضم كله للثورة كما حصل في مصر!، وهذا الكلام قاله أحدهم على قناة الجزيرة، الأمر ليس صعبا لمعرفة من هم، يكفي قليل من التدقيق في كلامهم وعباراتهم، والأهم هو معرفة أفكارهم وآرائهم وأيديولوجياتهم لأنها هي الأساس وليس الكلام المعسول، إذ لم يخدعنا شيء أكثر من خطابات بشار المعسولة منذ توليه الحكم.