لقد أثار مسلسل ” الحسن والحسين ” الكثير من الجدل بين السنة والشيعة، وقد كان موقف السنة واضح وثابت برفض تجسيد الأنبياء والصحابة، وهو موقف قديم لم يتغير عند علماء السنة المعترضين من عقود طويلة، فالأزهر ومنذ 30 سنة عارض فيلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد بسبب تجسيد عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب، وبقي على موقفه من كل ما تلاه من أعمال درامية مثل “القادسية” و”بدر الكبري” و”خالد بن الوليد” و”قمر بنى هاشم” ومؤخراً “الحسن والحسين”، وكذلك الحال مع هيئة كبار العلماء بالسعودية التي رفضت في عام 1393 هـ السماح بتمثيل شخصية مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح، ولا يزال هذا موقفها، وطبعاً فإن تمثيل وتجسيد شخصيات الأنبياء صلوات الله عليهم عند الأزهر وهيئة كبار العلماء أشد حرمة ومنعاً، ويوافقهم أيضاً بتحريم تمثيل الأنبياء والصحابة عدد من العلماء مثل د.أحمد عمر هاشم، ود.عبد الصبور مرزوق، ود.عبد العظيم المطعني، ود.عبد الفتاح عاشور، ود.محمد سيد أحمد المسير، ود.أحمد الريسوني.
حقيقة هجوم الشيعة على مسلسل “الحسن والحسين”
هذا هو موقف علماء السنة ثابت لم يتغير عند المانعين بينما الحال عند الشيعة مختلف تماماً كما يتبين لنا من النقاط التالية:
1- هناك فتاوى لكبار علماء الشيعة بجواز تمثيل الأنبياء وآل البيت والصحابة، مثل فتوى حسين فضل الله في كتابه ” فقه الحياة ” (ص166)، وفتوى السيستانى في كتاب “الفقه للمغتربين وفق فتاوى سماحة الإمام ‘السيستاني’ ( ص 343 مسألة 595).
2- وقد رأينا تجسيد هذه الفتاوى واقعياً من خلال تمثيل شخصيات الأنبياء مثل إبراهيم و سليمان ويعقوب ويوسف وزكريا وعيسى عليهم السلام وكذلك مثلوا شخصية مريم بنت عمران وجبريل عليه السلام !! وقد تضمنت هذه المسلسلات والأفلام الكثير من الخطايا بحق الأنبياء دون أن تلقى عتاب من مراجع الشيعة أو تعترض عليها بل تم دبلجتها إلى العربية وعرضت على العديد من القنوات الشيعية العربية وغير الشيعية !!
3- بل وصل الأمر مؤخراً بسينمائيين إيرانيين إلى العزم على تمثيل شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فيلم جديد، والأعجب من هذا سكوت مراجع الشيعة عن ذلك بل خرجت فتوى للسيستانى تجيز تمثيل شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الفيلم !!
4- هناك العديد من المسلسلات والأفلام الإيرانية التي تناولت حياة آل البيت رضوان الله عليهم مثل مسلسل “الإمام علي” و”فاطمة المظلومة” و”الإمام الحسن” و”بلال الحبشي” و”المختار الثقفي” و”الخالدون” وفيلم “أرض الطف” وفيلم “شهداء الطف”، وبعضها تم دبلجته للعربية وبثتها قناة المنار والكوثر، وهي تحتوى على إثارة الطائفية عبر طعنها بالصحابة رضوان الله عليهم وأمهات المؤمنين مثل مسلسل “المختار الثقفي”.
ولذلك فإن تبرير الشيخ عبد الكريم الكربلائي ممثل المرجع السيستاني لإعتراضه على عرض مسلسل “الحسن والحسين” بإنه سيعمق الخلافات بين المسلمين، ويثير فتنة وتناحرا طائفيا، هو تبرير سخيف لأن مسلسل “الحسن والحسين” قدم الصورة الحقيقية للعلاقة بين الصحابة بما فيهم آل البيت ولم يطعن بأحد من الصحابة أو آل البيت بل عرض لتفانيهم في خدمة الإسلام وتعاونهم على نشره بصورة إيجابية، ولهذا السبب لا تجد اعتراضات شيعية محددة على مشاهد أو لقطات في المسلسل فيها تنقيص من قدر الصحابة أو آل البيت ، بخلاف مسلسلاتهم المليئة بالشتم والتنقص والأخطاء في حق الأنبياء وآل البيت والصحابة !!
كما أن منع البرلمان العراقي لعرض المسلسل على القنوات العراقية بحجة أنه “يثير الفتنة الطائفية ويشوه الحقائق التاريخية ويسيء إلى أهل البيت” يشى بالمزاجية والتحكم فلماذا لم تمنع القنوات العراقية الشيعية من بث المسلسلات والأفلام المسيئة للأنبياء والصحابة ؟ ولكن لأن العراق يعيش مرحلة الهيمنة الشيعية فلم يعد من المستغرب مثل هذه المواقف من برلمانه الذي هاجم الشيخ العريفي السعودي قبل مدة لأنه تعرض للسيستانى وتعامى وتجاهل تطاول ياسر الحبيب الشيعي الكويتي على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ومعلوم أن جريمة الثانى أكبر!
5- كما أن الشيعة يقومون سنوياً بتجسيد شخصيات آل البيت في موسم عاشوراء فيما يعرف بـ “التشابيه” وهي مسرحيات شعبية تحاكى الأساطير الشيعية لمقتل الحسين رضي الله عنه، ويتم فيها تجسيد الحسين وابناءه وأخواته ويقوم بعض الرجال بأدوار النساء، وهي تختلف باختلاف الدول ففي العراق يتم تجسيد شخصية الحسين بوضوح ولكن في مناطق أخرى كالقطيف والإحساء يوضع غطاء على وجه ممثل دور الحسين!! كما يحصل في بعض مسلسلات الشيعة حيث أن شخصية الأئمة يغطى على الوجه بهالة نور بخلاف الأنبياء الذين تظهر وجوههم بوضوح، وهو مثال للغلو الشيعي تجاه أئمتهم بجعلهم في منزلة أكبر من منزلة الأنبياء.
وهذه “التشابيه” محل إجماع بالجواز عند الشيعة كما يتبين لكل من يطالع فتاوى “الشعائر الحسينية”، ويتفرع عنها انتشار لوحات تصور الأئمة بل توجد عند الشيعة تصور النبي صلى الله عليه وسلم !! ومن ذلك ما شاهدته الصحفية المصرية نشوى الحوفى في زيارتها لغرفة الخميني ضمن الوفد المصري الشعبي الذي زار طهران مؤخراً، حيث كتبت في المصرى اليوم (11/6/2011): “غرفة مرتفعة عن سطح الأرض بنحو خمسة أمتار، يغلقون بابها الزجاجى ليحافظوا عليها كما كانت أيام الإمام، نصل أمامها فنرى بداخلها أريكة بسيطة ووسادتين على الأرض، ومرآة على الحائط، وفى جانب من الغرفة التى لا تزيد مساحتها على ١٢ متراً، تجد صورتين مسندتين للحائط.
أسأل أحد مرافقينا عنهما، فيخبرنى أن إحداهما للإمام فى شبابه، أما الأخرى فللنبى محمد! أنظر له وأحبس كلماتى بين شفتى دونما تعليق، أتأمل الصورة فأجدها لشاب حلو الملامح بلا لحية يرتدى عمامة خضراء ورداء أخضر ” !!!
وسبقها أنيس منصور من 40 سنة حين سجل رؤيته لميداليات بطهران تحمل صور مزعومة للنبي صلى الله عليه وسلم في كتابه ” أعجب الرحلات في العالم ” (ص 663 (.
وقد تناولت عدة مؤلفات موضوع التشابيه وتجسيد الأئمة فيه مثل كتاب مؤتمر “الإمام الخميني وثقافة عاشوراء” وكتاب د.سلوى العمد ” الإمام الشهيد في التاريخ والآيدلوجيا شهيد الشيعة مقابل بطل السنة” وكتاب إبراهيم الحيدري “تراجيديا كربلاء سوسيولوجيا الخطاب الشيعي”.
6- والأعجب من هذا كله أن المشرفين على مسلسل “الحسن والحسين ومعاوية” قد حصلوا على فتاوى من السيستاني وفضل الله وعلي الأمين تأييد المسلسل وتجيز تنفيذه !!
إذا فلماذا يهاجم الإيرانيون والشيعة مسلسل “الحسن والحسين” ؟
لن نجد جواباً لهذا السؤال إلا أن الهدف من هذا الهجوم هو منع الجمهور (السني/الشيعي) من الإطلاع على رؤية مخالفة للرؤية الشيعية، لأن الإيرانييون والشيعة يشجعون تقديم الأفلام والمسلسلات عن الأنبياء وآل البيت، ولم يتورعوا فيها عن عرض تبنى رؤية تثير الطائفية وتشحن الجمهور على بعض الصحابة وأمهات المؤمنين.
ويؤكد هذا أن الشيعة قد أصدروا عدة فتاوى بتحريم مشاهدة بعض القنوات والبرامج التي تقدم رؤية مخالفة ومناقضة للرؤية المعتمدة عندهم، كما حصل في تحريم مشاهدة قناة المستقلة وخاصة برنامج “الحوار الصريح بعد التراويح” وقناة صفا وخاصة برنامج ” كلمة سواء” حيث كان البرنامجين يقدمان مناظرة مباشرة حول نقاط الإختلاف بين الطرفين، فكان خيار الإيرانيين والشيعة تحريم مشاهدتهما بدلاً من مناقشة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، وسبق ذلك مهاجمة مكتب قناة mbc بالكويت حين تقرر عرض مسلسل يتناول “زواج المتعة”.
إن مهاجمة مسلسل “الحسن والحسين” يؤكد سياسة الإيرانيين والشيعة بمحاربة أي محاولة لتقديم رؤية مغايرة لرؤيتهم خاصة في قضية العلاقة بين الصحابة وآل البيت، رؤية تقوم على أن العلاقة بينهما علاقة محبة وتعاون وتكامل بما يجفف منابع الطائفية والتطرف.
لأن هذه الرؤية قادرة على سحب البساط من تحت الدعاوى الطائفية القائمة على شحن البسطاء والعامة على الصحابة من خلال مجالس العزاء في عاشوراء للجمهور الشيعي ومن خلال الدراما الإيرانية المدبلجة للجمهور السني، والتي أثبت مسلسل “الحسن والحسين” قدرة الدراما على توعية الجمهور ورأب الصدع إذا توفرت لها النية السليمة والأدوات السليمة والإرادة الصلبة.