كثرت مؤخرا بعض الأفكار المتشائمة حول مواقف الدول العربية والدول الغربية تجاه الثورة السورية والنظام السوري، بعضها يرى أن الدول العربية صامتة ولكنها داعمة ضمنا للنظام السوري بسبب الخوف على عروشها من ثورات الشعوب، وأخرى ترى أن موقف الدول الغربية المائعة متواطئة مع النظام، ولكن مشاكل في مثل هذا الطرح، الأولى أنه مجانب نوعا ما للصواب، والثانية أنه يبعث على اليأس في النفوس، والثالثة أنه يتسبب بالتصرف بطريقة خاطئة تجاه أزمة الثورة السورية.
إن مثل هذه الإفكار ظلت منتشرة ومسيطرة طوال العقدين الماضيين، ولكن الآن في عصر ثورات الشعوب وتغير المفاهيم فقد حان الوقت للثورة عليها، فهي أفكار قد عفا عليها الزمان وأصبحت الآن خارج التاريخ، وقد حاول مثلا النظام السوري اتهام الثوار بالعمالة للغرب عند زيارة السفيرين الأمريكي والفرنسي كي لا يستفيدوا من الزيارة، ولكن الشعب الثائر كان أوعى بكثير فقد استقبلهم استقبال ندي، كما رحب اتحاد التنسيقيات بهذه الزيارة على مبدأ ندي، لقد آن الأوان لهذه الشعوب العربية أن تستفيد من تقاطع المصالح مع الدول العربية والدول الغربية، ليس من موقف الضعيف، بل من موقف ندي قوي يستمد قوته من إرادة الشعوب العربية التي تؤثر على الشعوب الغربية، والتي بدورها تؤثر في سياسات دولها.
إننا لكي نستطيع النجاح في ثورتنا السورية، يجب بعد الاعتماد على الله، أن لا ندخر جهدا في كسب دعم أي طرف ومحاولة تجنب معاداة أي طرف آخر، فيجب النظر للغرب على أنه تيارات مختلفة يجب كسب الأقرب منها لدعم الثورة، ومحاولة تحييد أعداء الثورة من هذه التيارات. ولا يضرنا كسب الدعم السياسي والدبلوماسي على أساس تقاطع المصالح، فليس بالضرورة ولا هو متوقع الحصول على الدعم لوجه الله أو لأسباب إنسانية.
الدول العربية:
الدول العربية صامتة، لكن ما هو الدليل على أنها مؤيدة ضمنيا للنظام السوري؟ بالعكس هي تبدو أقرب إلى دعم الثورة ضمنيا، بوسائل كثيرة منها إعطاء ضوء أخضر لوسائلها الإعلامية غير الرسمية بنصرة الثورة السورية، وبعضها يسمح للجاليات السورية بالتظاهر أمام السفارة السورية مثل مصر والأردن، توجد استثناءات قليلة هنا وهناك، لكن الصورة الإجمالية أقرب لتأييد الثورة السورية، وطبعا هذا لا يكفي فالمسألة بحاجة لمواقف أقوى من ذلك بكثير، والشعب السوري يطالب بمواقف أكثر حزما، ويحمل الدول العربية مسؤولية ضعف تأييدها للثورة.
أعتقد أنه من المؤكد أنه سيتغير موقف الدول العربية باتجاه دعم الثورة بشكل صريح ويجب أن لا سيتأخروا أكثر من ذلك، وليس صحيحا بأن النظام السوري تحرص عليه الأنظمة العربية أكثر من النظام المصري لأن النظام السوري هو آخر قلعة قمعية، فالنظام المصري أثناء الثورة قد حصل على دعم خليجي كبير وصريح ومعلن من أجل عدم إسقاطه، لأنه يشكل أكبر نظام في منظومة محور الاعتدال، وكانوا يخشون من أن سقوطه يعني سقوط كل أنظمة الاعتدال والخليج.
ولكن عند قيام الثورة السورية، عُرف أن الثورات لا تستهدف بالدرجة الأولى الأنظمة المعتدلة، وإنما الأنظمة الجمهومليكة، أي الأنظمة التي لديها أزمة في شرعيتها، ومن يتابع أخبار دول الخليج والأنظمة الملكية يجد أن خوفها قد قل كثيرا، على اعتبار أنها أنظمة لها شرعية تاريخية، ولكنها تظل بحاجة إلى كثير من الإصلاح السياسي والاقتصادي، وفي أقصى الاحتمالات يمكنها التحول إلى ملكيات دستورية ديمقراطية كما تفعل مملكة المغرب، ولذلك هي ليست خائفة كثيرا على عروشها بعد سقوط النظام السوري.
لكنها بالتأكيد خائفة من ردة فعل إيرانية وشيعية محلية من بعض المرتبطين بإيران إذا أعلنت صراحة عن دعمها للثورة السورية، ولذلك فضلت حتى الآن الدعم غير المباشر عبر إعطاء ضوء أخضر فوق العادة لوسائل الإعلام التابعة لها في دعم الثورة السورية، السعودية: قناة العربية، قناة وصال، قطر: قناة الجزيرة، وغير ذلك من وسائل دعم. ولا يمكن الرجم بالغيب بدون دليل بأنها تدعم النظام السوري سرا إلا ما ثبت مثل دعم الكويت له بثلاثين مليون.
الدول الغربية:
لنكون أكثر دقة وأكثر قدرة على التعامل مع واقعنا وأكثر قدرة على فهم محيطنا يجب أن تكون رؤيتنا أكثر تركيبا وليست رؤية أحادية الأبعاد إما أبيض وإما أسود، فالنسبة لأمريكا والغرب، فيوجد فيها تيارات متحالفة بقوة مع النظام السوري منها التيارات التابعة والمتأثرة باللوبي الصهيوني وبعض التيارات الأخرى، كما يوجد تيارات معادية بشدة للنظام السوري وتعمل على محاولة إسقاطه وعزله والمطالبة بتنحي بشار، منها مثلا السيناتور جون ماكين مرشح الرئاسة السابق، فالسياسة الأمريكية المعروفة بتخبطها هي محصلة هذه التيارات المتناقضة، وهذا يبدو واضحا تماما في موقف أمريكا والغرب المتذبذب تجاه الثورة السورية.
فالدول الغربية موقفها أحيانا سيئ ومتذبذب، وأحيانا ضار وأحيانا غير ضار وأحيانا غير مفيد، وأحيانا مفيد لكن ليس كما تنتمى، مثل موقفهم في ليبيا، فهو برغم سلبياته يظل أفضل من لا شيء وأفضل من مجازر القذافي الكارثية، كما يوجد في التاريخ كثير من الشواهد على إمكانية الاستفادة من بعض مواقف الدول الغربية، كما في دعمهم لحرب استقلال كوسوفو المسلمة من يوغوسلافيا الشيوعية، واعتراف دول الغرب بدولة كوسوفو رغم اعتراض روسيا.
نستنتج أننا في عالم ليس حرا تماما وليس هو عالم قانون الغاب تماما، بل هو عالم بين هذا وهذا، ومن يتعامل معه بحكمة يستطيع الاستفادة منه برغم كثير من الأعراض الجانبية، أما من يتعامل معه بدون حكمة ويتعامل مع الجميع كأعداء، فهو فعلا يحول الجميع إلى أعداء ضده، ويبعث اليأس والإحباط في نفوس الجماهير، كما أنه يخالف السنن الكونية، كما أنه عمل مخالف لكل قواعد العمل السياسي الحكيم.
والله أعلم.