الخوف الغامض من المجهول، هو خوف من شيء غير محدد وغير واضح، مجرد خوف، مجرد فزاعة وهمية صنعها النظام في نفوسنا، لو سألنا أنفسنا بشكل محدد وواضح: ما الأمر المخيف تحديدا الذي ممكن أن يحصل في سوريا؟ هل الظروف والتنوع الطائفي في سوريا شبيهة بالعراق؟ هل أسباب كارثة العراق موجودة في سوريا؟ وهل الأسباب الإيجابية التي أدى تواجدها أخيرا لخروج العراق من أزمته، هل هي غائبة في سوريا؟ دعونا نشرّح الأوضاع ونعرف هل يوجد في سوريا شيء مخيف حقا؟ هل هناك تشابه مع الحالة في العراقية؟ فالإنسان عدو ما يجهل، وهذه من أكبر أسباب ضعف المشاركة الشعبية وعدم انخراط المدن الكبرى في الثورة السورية المباركة.
من أسباب المشكلة في العراق:
1- غياب الوعي بالوحدة الوطنية وانتشار العصبية الطائفية.
2- غياب الوعي لدى الطائفة السنية بضرورة المشاركة السياسية بالانتخابات والانخراط بالجيش والأجهزة الأمنية.
3- الانخداع بالتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة، بأنها مقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، وهي في الواقع تقاوم 10% ضد الاحتلال الأمريكي، و90% ضد الشعب العراقي، وقد استخدمتها إيران كثيرا في تأجيج الفتنة الطائفية والاقتتال.
4- حلّ الجيش وجميع الأجهزة الأمنية فجأة بدلا من العمل على إصلاحها وتطهيرها من الفاسدين.
وهناك أسباب أخرى متعددة لكن ما يهمنا هو أبرزها.
وعندما بدأت الصحوات العراقية، وبدأت بالالتفات إلى ضرورة التخلص من التنظيمات الإرهابية والقاعدة والتوقف عن مساندتها، حينها أمكن للعراقين بكل طوائفهم فتح صفحة جديدة، فقام الشيعة أيضا بالتخلص من جيش الصدر والمهدي المدعومين من إيران، وشاركت جميع الطوائف بشكل أفضل في الانتخابات الأخيرة، وتحسن الوضع كثيرا عما سبق، ولكن تظل الحالة هناك صعبة بسبب عدم رجحان كفة إحدى الطوائف، لكن في سوريا يتنتمي 70% إلى طائفة واحدة، كما أن الجميع رغم كل الخلافات متفق على الديمقراطية كأساس للعملية السياسية، ثم إن من أسباب استمرار صعوبة الوضع في العراق هو التدخل الإيراني، ولحسن الحظ فإن هذا التدخل لا يحظى بأي شعبية عند معظم أطياف الشعب السوري.
بناء على ما سبق، فإنه لا يكاد يوجد في سوريا أي سبب يمكن أن نخشى بسببه أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه في العراق، إذا فما اللذي نخشى منه بشكل محدد؟
ما نخشاه في الحقيقة ليس فتنة طائفية، ولا تسلط طائفة واحدة على الحكم واستفرادها بسبب غياب الطوائف الأخرى عن المشاركة، ولا نخشى انفلاتا أمنيا، ولا نخشى دخول تنظيم القاعدة فهو مرفوض شعبيا وأصبح ورقة محروقة في زمن الثورات العربية الشعبية التي نجحت فيما فشل فيه تنظيم القاعدة، إن ما نخشاه فقط هو إجرام عصابات النظام الشبيحة وحلفائهم من حزب اللات والحرس الثوري الإيراني، وعندما نحدد بالضبط ما هو المرض وما هي الأعراض، يمكننا أن نحدد ما هو الدواء، فالحالة في سوريا ليست مثل العراق ولا داعي للخوف الغامض الذي يستمر شل وإضعاف إرادتنا الصادقة بنيل الحرية والمشاركة المليونية بالثورة.
إذا عرفنا بالضبط ما نخشى منه فلن تكون هناك مشكلة غامضة لا نعرف كيف نتصرف معها، فالحل:
1- التمسك بالوحدة الوطنية وعدم الانجرار وراء الطائفية.
2- الحفاظ على سلمية الثورة من أجل استمرار دعم المجتمع الدولي لها.
3- التركيز على توعية الجيش ضباطا وأفرادا بأهمية حماية الشعب من عصابات الشبيحة وحلفائهم.
4- رفض التعامل مع أي تنظيم إرهابي قد يستجلبه النظام مثل القاعدة من أجل أن يجرنا إلى حرب أهلية مع عصاباته، فيتخدها ذريعة لجلب المزيد من العصابات الطائفية مثل جيش الصدر أو الحرس الثوري.
5- الاستمرار في الضغط على المجتمع الدولي والعربي إعلاميا وبكل الوسائل، ليزيد ضغطه على النظام السوري حتى يجبر على الرحيل.
6- مقاطعة النظام اقتصاديا وعدم دفع الضرائب والفواتير وتهيئة الأجواء والاستعداد لعصيان مدني وإضراب شامل، وكلها عوامل تقلل من قدرة النظام على دفع الأموال للشبيحة والمرتزقة وتساهم في التعجيل بسقوطه.
7- العمل على إقناع كبار التجار أن مصلحتهم مع الشعوب الباقية، وليس الأنظمة الراحلة، وأن الاستثمار في نظام حر وديمقراطي في ظل سيادة العدالة والقانون أفضل من البقاء في ظل نظام الإتاوات والرشاوي، وسوف تنعكس النتائج الاقتصادية نموا أكثر وازدهارا مما للجميع أن يتصوره.
وأخيرا هذا الموضوع مفتوح للنقاش والإثراء والاقتراح والإضافة، وهو مجرد اجتهاد شخصي، بل هو حث على التبصر والبحث والتعرف وعدم الخوف من المجهول، فلماذا يظل المجهول مجهولا طالما يمكن أن يصبح معلوما؟