تحليل استراتيجي للعلاقات الدولية والوضع في سوريا

كثيرون يظنون أن السياسة عبارة عن مصالح دولية مجردة قد تتغير من حين لآخر، لكنهم يغفلون عن الجانب الأهم والجانب المعتّم عليه وهو جانب العقائد أو الأيديولوجيات، في الواقع لا توجد دولة بدون أيديولوجية، حتى أمريكا رغم ليبراليتها وبعدها ظاهريا عن الأيديولوجيات إلا أنها متجذرة كثيرا فيها، فهناك الجمهوريون البروتستنات، والديمقراطيون المؤمنون بشدة بالديمقراطية والمرونة في كل شيء إلا المساس بالديمقراطية، وهذه تعبر أيديولوجيا أيضا، أما المصالح فهي في خدمة العقائد ويتم المناقشة والمساومة عليها من أجل العقائد، ومن هذا المنطلق يمكن وضع تصور للعلاقات الدولية في العالم وتأثيرها على العالم العربي والوضع في سوريا والقضية الفلسطينية وهي الأهم.

اليهود والصهيونية: لديهم عقيدة أنهم الشعب المختار وأن الأرض ملك لهم ويجب أن يحكموا العالم، وأن أرض ما بين الفرات والنيل يجب أن يسكنوا فيها وحدهم ويقيموا فيها إسرائيل الكبرى التي تحكم كل العالم.

 

المسيحية الغربية: وهي قسمين: كاثوليكية تكن العداء الشديد لليهود، ولا يوجد بينهم تلاقي عقائد، ويدل على هذا أن دولة الفاتيكان لم تعترف بإسرائيل حتى عام 1993، والبروتستانت وهم أيضا يكنون العداء لليهود ولكنهم يؤمنون بالصهيونية وإعادة اليهود إلى فلسطين، وبعض من فرقهم لا تكن أي عداء لليهود.

 

الغرب: أمريكا وبريطانيا البروتستانت، لديهم مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة العربية، ولديهم عقيدة القيامة البروتستانتية التي تقتضي تواجد اليهود في فلسطين فقط من أجل أن ينزل المسيح آخر الزمان فيحرق نصفهم ويتنصّر الباقي، واليهود استغلوا كل من المصالح وهذه العقيدة من أجل إقناعهم بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، لكنهم لم يتمكنوا من تحويل هذا الوطن القومي الذي كان أشبه بالحكم الذاتي إلى دولة ذات سيادة إلا بمساعدة وموقف قوي جدا جدا من قبل الكتلة الشيوعية يتفوق في تأييده لإسرائيل على الموقف الغربي، وذلك في مجلس الأمن عام 1947، حيث أصر مندوبوا الدول الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي على قرار تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، في حين أصرت أمريكا وبريطانيا على وصاية دولية على فلسطين، وهذا الموقف الشيوعي الغريب هو الموقف الحقيقي المخفي لجميع دول ما يسمى الممانعة التي تدعي دعم الشعب والقضية الفلسطينية، وهذه الحقائق مثبتة في وثائق الأمم المتحدة لعام 1947 حول القضية الفلسطينية، راجع كتاب موسكو وإسرائيل – عمر حليق، وهو طالب فلسطيني كان يدرس في أمريكا وقتها، وقد حضر بنفسه هذه الجلسات في الأمم المتحدة.

 

كما لم تتمكن إسرائيل من توسيع دولتها خارج حدود فلسطين إلا عبر مساعدة وخيانة الاشتراكية العربية، وذلك بقيام جمال عبد الناصر الاشتراكي بتسليم سيناء لإسرائيل بدون قتال، وحافظ الأسد البعثي الاشتراكي بتسليم الجولان لإسرائيل بدون قتال، ولكن ما هي حقيقة هذه الدول؟ وما هي حقيقة الأيدولوجية الاشتراكية أو الشيوعية الماركسية؟

 

الشيوعية والدول الشيوعية والاشتراكية أو الماركسية: الماركسية نظرية تاريخية جدلية مادية دجلية، وضعها كارل ماركس وهو في الأصل حاخام يهودي متخفي وجده كان حاخاما كبيرا، وبالنظر إلى جوهر وتطبيق الشيوعية في جميع الدول الشيوعية والاشتراكية، نجد أنها قامت بتأميم الممتلكات ووسائل الانتاج وحتى المنازل، وبدلا من أن تصبح ملكا للدولة كما تدعي فقد أصبحت ملكا لأصحاب السلطة في هذه الدول، ومعظمهم أيضا يهود متخفين وراء شعارات الإلحاد.

 

وهذا يعني عمليا تطبيق للعقيدة اليهودية بأن يسيطر اليهود ويمتلكوا كل شيء، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي قيل أن الشيوعية قد انتهت، وهذا غير صحيح،  فالإسلام مثلا لم ينتهي لأن الدولة العثمانية سقطت، وما حصل هو أن الشيوعية بقيت هي التي تحكم في روسيا وجميع دول الاتحاد السوفياتي السابق ولكن من وراء ستار، وقد تخلوا عن الاشتراكية في الاقتصاد، لكن بقيت نفس العقيدة السياسية وطريقة الحكم القمعية الستالينية، وقد حصلت في روسيا بعض حالات  التأميم الجزئي في عهد بوتين، وهذه الشيوعية السياسية المتخفية هي أيضا السر الحقيقي وراء وقوف روسيا والصين وإسرائيل مع القذافي والأسد، حتى بعد أن تلخت عنهما تماما القوى الغربية وأصبحت ضدهما.

 

المصالح والصفقات: رغم وجود العداء الأيديولوجي الحقيقي والشديد بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، إلا أنه من الممكن أن يتحدوا في فترة وظروف معينة ضمن صفقة مصالح مشتركة أو ضد عدو مشترك، وهذا لا ينفي ولا ينهي حالة العداء الشديدة بينهم، مثلا اتحد الغرب أمريكا وأوروبا مع روسيا الشيوعية ضد النازية بزعامة هتلر، لأنه شكل خطر على كل العالم في الحرب العالمية الثانية، وبعد القضاء عليه عادت حالة العداء بينهم إلى كانت عليه متمثلة بالحرب الباردة، وهكذا يحصل بين إيران والصين وروسيا من جهة وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى، لكن يجب أن نعلم أنهم يظلون في حالة عداء، والفائدة من هذه المعرفة هو من أجل استغلالها في التفريق بينهم، إذ من الجهل العجيب القول كلهم واحد، ونحاول أن نحاربهم جميعا ونوحدهم علينا.

 

وهنا لابد أن يثور سؤال مهم جدا: إذا كان الغرب حليفا لإسرائيل وأيضا الشرق حليف لها، فكيف يكون الشرق والغرب أعداء؟ أو بصياغة أخرى: كيف قاتلت أمريكا والناتو القذافي والآن يريدون نزع الشرعية عن الأسد (التابعين للمعسكر الشرقي) طالما أن القذافي والأسد حريصين على استقرار وخدمة إسرائيل؟

 

الجواب: أن الشرق (الشيوعي سابقا) أحرص من الغرب في الحقيقة على إسرائيل في الخفاء، والأحرص على توسعها وتحقيق العقيدة اليهودية، أما الغرب فهو رغم حرصه الشديد أيضا على إسرائيل إلا أنه يريد تطبيق عقيدة البروتستانت ويستخدم اليهود كأداة فقط، ويريد مصالحه، ولهذا حرصت الآلة الإعلامية العالمية (وأغلبها يهودية) على كشف الدور الغربي في دعم إسرائيل والتعتيم على الدور الشرقي رغم أنه الأكبر والأكثر أهمية والأكثر جذرية.

وأخيرا، لا يمكن حصر كل شيء في موضوع ولا مجموعة موضوعات فأرجو ممن لديه سؤال أن يطرحه في التعليقات، وسأجيب عليه إن شاء الله.

Scroll to Top