بالمقارنة بين الثورة المصرية والثورات التاريخية السابقة والديمقراطيات العربية
في موضوعنا السابق تحليل نتائج الثورات في ضوء فقه الواقع ودروس التاريخ خلصنا إلى نتيجة تاريخية بأن الثورات في غالبها لا ينتج عنها إلا أنظمة أسوأ من التي قبلها، بسبب أن المحرك لهذه الثورات هي أيديولوجيات يهودية ظاهرة أو مستترة وراء الشعارت البراقة، وهي الأيديولوجيات الشيوعية أو الماسونية أو اليسارية الثورية أو الخمينية التي ورثت طريقة الشيوعية في الإرهاب والديكتاتورية الحمراء، فهل ثورة مصر مثل تلك الثورات السابقة أم هي استثناء؟ أم أنها كالثورات السابقة لكن على نهج جديد؟ وفي كلا الحالتين ماذا نفعل؟
قد يقول أحدهم الثورة المصرية واضحة ولا تحتاج الى دراسة، لكن الحقيقة عادة في فقه الواقع و التحليل السياسي أن ما يظهر بشكل واضح للعيان كثيرا ما يكون للخداع خاصة عندما نجد تركيزا واضحا عليه، كما أن أهمية دراسة وتحليل هذه الثورة من أجل تجنب اختطافها مستقبلا من قبل أصحاب تلك الأيديولوجيات أو غيرهم.
لو كنا نعيش في عالم لا يوجد فيه إسرائيل ولا خطة خمسينية إيرانية للسيطرة على العالم العربي، ولا أي مخططات أو بروتوكولات يهودية للسيطرة على العالم، لحق لنا أن نطير فرحا بدون أدنى قلق بذهاب حكم مبارك السلطوي الفاسد والانتقال إلى الديمقراطية، ولكن بما أن تلك المخططات موجودة وتطل برأسها علينا كل حين، فيجب الحذر كل الحذر، لا أقول التشاؤم بل التفاؤل مع الحذر، حيث لا ننسى دعوة حسن نصر الله للجيش المصري للانقلاب على النظام المصري في فترة حرب غزة، ولا ننسى أيضا مباركة خامنئي لهذه الثورة، لكن لا تعني مباركته لها أنها ثورة خمينية، لكنها تظل محاولة لركوب موجتها، كما يجب التنبه جيدا إلى اعتراف بعض شباب الثورة خاصة من حركة 6 إبريل إلى أنهم تلقوا دورات في أمريكا للتدريب على مثل هذه الثورات، ومن أهم المعترفين هي أسماء محفوظ إحدى أهم قيادات الحركة. تابعوا هذا الموضوع: بسبب هيلاري.. انشقاق “لن تمروا” من حركة 6 أبريل.
فإذا جئنا لمقارنة الثورة المصرية بغيرها من الثورات في التاريخ، نجد فرقا كبيرا بينها وبين الثورات الشيوعية أو الاشتراكية أو الخمينية من ناحية الشعارات، لكن… هناك الثورة الفرنسية الشعبية التي رفعت شعارت الحرية والمساواة، ثم تبين أنها مجرد خدعة وسالت بعدها دماء الشعب الفرنسي غزيرة فقد راح ضحيتها 6 ملايين من الشعب الفرنسي تحت المقصلة، لكن لا نتوقع للثورة المصرية أن تسيل بعدها الدماء لا سمح الله كما حصل في الثورة الفرنسية، لأن الثورة المصرية ثورة سلمية بخلاف الفرنسية، لكن… لا يوجد ضمان حقيقي يمنع عملاء إيران أو أصحاب أيديولوجيات يهودية يسارية متطورة في شكلها الخارجي ومضمونها من استلام الحكم، سواء عن طريق استمرار الاحتجاجات ضد قيادة الجيش، حتى يضطر للتسليم، أو عن طريق وصولهم للحكم بواسطة صناديق الاقتراع. وأنا لا أشك بأن الشعب المصري يرفض أن ينتخب مثل هؤلاء، لكن أساليب الخداع والتمويه عندهم لا حدّ لها، فيجب التحلي بأعلى درجات الوعي والمسؤولية، وقد حصل فعلا في بعض دول أوروبا الشرقية قبل الفترة الشيوعية أن وصل الحزب الشيوعي للحكم بواسطة الانتخابات وأغلق باب الديمقراطية، وكاد هذا الأمر يصل إلى إيطاليا أيضا في تلك الفترة، تحت شعارات براقة زائفة.
إن الديمقراطية والشورى وتداول السلطة حق لكل شعب في العالم، لكن ما كان يمنع من إمكانية تفعيلها هو الخوف المبرر والحقيقي من وصول الأيديولوجيات المشبوهة والباطنية سواء كانت شيوعية أو اشتراكية أو إيرانية أو متحالفة معها إلى سدة الحكم ومن ثم إغلاق الباب من خلفها، وهنا لا بد أن يثور سؤال: كيف تسير إذن عملية تداول السطة في أوروبا بدون خوف من إغلاق باب الديمقراطية؟ والجواب أن ما يميز أوروبا هو أن جميع الأحزاب الموالية والمعارضة فيها وحتى اليسارية والاشتراكية متفقة على مبدأ تداول السلطة، ولا يقبل أي حزب بأن يسيطر على السلطة ولا أن يجري تعديلات دستورية جزئية كل فترة ليقوي موقفه تمهيدا للسيطرة الكاملة الشمولية على السلطة، وما يفعله حزب الله في لبنان أكبر شاهد.
فلبنان أكثر البلاد العربية عراقة في الحرية والديمقراطية وفيه شعب يؤمن حقا بمبدأ التداول السلمي للسطلة، شعب متشبع بالديمقراطية، لكنه مبتلى بحزب يزعم المقاومة ويحمل السلاح ليفرض على الشعب اللبناني الأعزل حكومة الثلث المعطل جراء الهجوم على بيروت، ليحصل في اتفاق الدوحة على الثلث المعطل، ثم يرهب بسلاحه مجموعة جنبلاط ويستخدم الثلث المعطل لإسقاط حكومة الحريري، ويحولها إلى حكومة تحت سيطرة الولي الفقه الإيراني، كما أن تجربة الديمقراطية العراقية بزعامة المالكي غنية عن الشرح والتبيين.
لكل تلك الأسباب وغيرها، نقول حمدا لله على سلامتك يا مصر وعلى سلامة شعبها العزيز على قلب كل عربي ومسلم، أيها الشباب المتحمس للحرية، أيها الشعب المصري الأبي، الأمة كلها أمانة في أعناقكم، ما يجري عليكم يجري على كل الأمة، كانت ثورتكم البيضاء المنظمة، ولجانكم الشعبية وحملاتكم لتنظيف الشوارع وميدان الحرية محط اهتمام وتقدير، فاحذروا أن توردوا أنفسكم وبلادكم ومستقبل أطفالكم وجميع أمتكم من خلفكم إلى التهلكة، كونوا على قدر المسؤولية، التفوا حول قيادة جيشكم الذي هو فخر وقوة لكل الأمة على مدى التاريخ، لا تنجروا وراء كل ناعق ولا وراء الشعارات البراقة وحدها، تبينوا وتأكدوا من كل شيء يدور حولكم، أمامكم فرصة ذهبية للعيش بحرية وكرامة، كما أن أمامكم مهلكة وطامة تاريخية كبرى إن أنتم أسأتم استغلال فرصتكم، فحالكم وحال الأمة أجمع أشبه بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك).
ثم لا تنسوا أنه بالصبر والتقوى واليقين، تكونوا أئمة في الأولى والآخرة.