تسعى كل أمة من الأمم عبر التاريخ للحصول على التغيير الإيجابي الذي يحقق لها المصالح ويدرأ عنها المفاسد، وفق معتقداتها وأخلاقها. لذا فقد اختلفت مدارس التغيير وتباينت نتيجة لتلك المبادىء والمعتقدات. ففي الوقت الذي سعت فيه بعض المدارس أمثال الملحدين وعبدة الأوثان، إلى المخلوق لنيل التغيير الإيجابي، توجهت أخرى من أتباع الديانات السماوية إلى الخالق. ثم تباينت بعد ذلك رؤى أصحاب المذاهب الأرضية إلى طرق شتى، ففى الوقت الذي رأى فيه البعض الانطلاق إلى الهدف من التغيير الاقتصادي، حَصَرَهُ آخرون في التغيير السياسي، وهكذا.
أما داخل المدرسة الإسلامية، فقد تباينت كذلك رؤى الإصلاح والتغيير قديما وحديثاً، فمن جهة مصدر التلقي، انقسم الإصلاحيون إلى ثلاث مدارس:
1- مدرسة النقل (الوحي): وهؤلاء ينطلقون من العقيدة السليمة ومحاربة الشرك، والدعوة إلى الإتباع ونبذ الإبتداع، وهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، وشعارهم في الواقع المعاصر (التصفية والتربية).
2- مدرسة العقل: وهؤلاء يقدمون العقل على النقل (الوحي). وأشهر رؤوسهم المعتزلة والأشاعرة.
3- مدرسة الكشف والذوق: وهؤلاء ينطلقون من الكشف الصوفي للوصول إلى الحقيقة، وهي في نظرهم وحدة الوجود.
أما من جهة ساحة التغيير، فقد انقسمت رؤى الإصلاح والتغيير إلى:
1- مدرسة الدعوة إلى التغييرعن طريق تغيير ما بالأنفس: لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]. وأصحاب هذه المدرسة هم السواد الأعظم في كل زمان، منهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، ومن المعاصرين: السلفيون، والإخوان المسلمون، وجماعة الدعوة والتبليغ، والصوفيون.
2- مدرسة الدعوة إلى التغييرعن طريق تغيير الأنظمة القائمة: وأصحاب هذه المدرسة هم: الخوارج قديماً، و(حزب التحرير الإسلامي) حديثاً، وهم الوحيدون الذين خرجوا عن السواد الأعظم، ومنهج السلف الصالح عبر العصور، ومنهجهم يقوم على تغيير الأنظمة الحاكمة ليقوم الإسلام كله في الناس.
ومع التكرار والزمن، فقد تأثر بطرح الخوارج وحزب التحرير، كثيرون ممن ينتسبون إلى الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل الإخوان المسلمين – في وقت مبكر – والسلفية، والصوفية، والدعوة والتبليغ. ففي الوقت الذي اكتفى فيه بعض هؤلاء من المتأثرين بالخوارج وبفكر حزب التحرير بالمعارضة السياسية ومناكفة الأنظمة القائمة سلمياً، دعا البعض الآخر منهم إلى الخروج على الأنظمة بحمل السلاح، وتطور الأمر ببعضهم إلى التكفير والتفجير العشوائي. وإذا علمنا أن مؤسس حزب التحرير الشيخ تقي الدين النبهاني، كان بعثياً اشتراكياً ([1]). وكان عضواً في (كتلة القوميين العرب) اليسارية([2])، قبل تأسيسه لحزب التحريـر، تبين لنا مصدر فسـاد منهج حزب التحرير في التغيير.
فالاشتراكية ـ وهي من أصل يهودي ـ تقوم على تطبيق نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ، وهذه النظرية تعمل على قلب النظم السياسية والاجتماعية القائمة في العالم أجمع، ومنها الدول الإسلامية التي تعادي اليسار، فَسَرَتْ هذه النظرية في فكر الحزب وكتبه ومنشوراته، ومن ثم إلى أفراده، ومن ثم إلى الأمة الإسلامية.
أما من جهة طبيعة التغيير ومادته، فقد تباينت الجماعات الإسلامية المعاصرة فيه تبايناً واضحاً، علماً بأن الجميع يقولون بأنهم يتخذون من الكتاب والسنة دستوراً، ومنهجاً في التغيير. وهذا هو أهم وأبرز جانب من الجوانب التي ركزت عليها كل جماعة:
اسم الجماعة |
أبرز جانب اشتهرت به |
السلفية | العقيدة ومجانبة البدع بالأمر والنهي |
الصوفية | الذكر والدروشة |
الإخوان المسلمون | الحركة والتنظيم والتجميع كيفما اتفق |
حزب التحرير | السياسة |
الدعوة والتبليغ | الأمر بالمعروف والوعظ القصصي |
وهذه الجوانب كلها لا شك أنها من دعوة الإسلام الشاملة، إلا أن الصوفية بالذات اتخذت من الذكر جسراً لتعبر من خلاله إلى أوحال الشرك. وحزب التحرير اتخذ من السياسة المغرضة المخالفة للواقع طريقاً لإضلال المسلمين، وَجَعَلَهُم بذلك غثاء لِسَيْلْ الاشتراكية الفكري الجارف.
إن الاكتفاء بجانب واحد من جوانب التغيير المذكورة، وغيرها ممن لم تذكر كالجانب الاجتماعي، والثقافي والاقتصادي، لا يحقق التغيير المنشود، حتى تتكامل هذه الجوانب كلها في المجتمع المسلم، ثم لا بد أن يسير بها المصلحون وفق السنة الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير لتحقيق التغيير المنشود، المتمثلة في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بأنْفُسِهمْ) [الرعد:11].ولأهمية هذه السنة الكونية ولخطورة تجاهلها، أو تخطيها لا بد من إقامة الحجج والبراهين الدالة عليها.
عدنان الصوص
(1) ((موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وإيران وتركيا))، (ص397)، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية.
(2) ((القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين من 1917- 1948)) ، تأليف: بيان نويهض، (ص900)، طبعة بيروت، (1981).