ستكون هذه مجرد توقعات قابلة للخطأ والصواب، وهي في ظل قواعد علوم السياسية والتاريخ والعلاقات الدولية، ومبنية على معطيات الوضع الجديد بعد استلام إدارة ترامب، إضافة للأوضاع العربية السائدة.
فوائد التوقع والتنبؤ:
التوقع ليس ادعاء بعلم الغيب، ولكن هو منتهى ثمار العلم، حيث يهدف العلم للتعرف على قواعد وسنن معينة حول الموضوع الذي تتم دراسته، بهدف امكان توقع وتنبؤ بأحواله لأجل تسخيره والسيطرة عليه.
لكن في العلوم الإنسانية وومنها السياسة، لا يمكن معرفة كافة القواعد والقوانين والسنن، ولا يمكن بالتالي التحكم بالمشهد أو التجارب ولا يمكن بشكل كامل تسخير الناس أو الشعوب، لا من قبل الصهيونية العالمية، ولا من قبل دعاة الحق والخير.
ولكن يظل من الواجب محاولة التوقع وبناء سيناريوهات محتملة، من أجل وضع أفضل وأقرب الخطط للتعامل مع الواقع ومحاولة تسخيره ما أمكن ذلك. فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.
1- طبيعة التوجه السياسي لترامب وإدراته:
على صعيد كون ترامب ليس جمهوريا بشكل شخصي، فهذا جعله رئيسا شعبويا خارج عن الأطر التقليدية للمؤسسات الحاكمة، إلا أن توجهه جمهوري بحكم الفريق الذي اتخذه، وهذا قد يعني أنه مفرط في التوجهات الجمهورية مع فروقات واستثناءات معينة، وشخصيته العنيفة أقرب لطبيعة الجمهوريين من الديمقراطيين، ثم قد كان نسبة الذين انتخبوه من اليهود الأميركيين أقل من 20% مقابل 80% انتخبوا كلينتون.
إن إدارة ترامب هي إدارة جمهورية جمعت فريق من صقور الجمهوريين، وهذا يعني أنها أكثر عداء للشرق الشيوعي، والمخطط الإيراني والتوسع الصيني. كما هو معروف تقليديا من الجمهوريين.
3- حول إيران والاتفاق النووي:
يظهر من تصريحات ترامب التصعيدية ضد إيران ومن تشكلية فريقه، أن استراتيجيته ستكون حادة ضد إيران، ومن المحتمل جدا أن يقود حربا ضدها سواء ضد أذرعها المنتشرة أو لإسقاط نظام الملالي مباشرة، ولا تظهر أية بوادر على عكس ذلك. ومن الوارد جدا نقض ترامب الاتفاق النووي مع إيران وذلك لأن إيران تظل تخرقه، بالإضافة لتدخلاتها الإقليمية. وقضية إيران واضحة في سياسة ترامب، بعكس موقفه من العلاقة مع روسيا وأيضا نظام الأسد.
3- العلاقة الأميركية الروسية في عهد ترامب:
أما قضية تحسين العلاقات الأمريكية مع روسيا، فلا يبدو الغزل هذا إلا مؤقتا، وهو أمر بديهي وطبيعي، حيث هما أكبر دولتين في العالم، وتحتاجان للتفاهم وعدم التصادم المباشر وجها لوجه، ولا تعني أي صداقات شخصية أو مصلحية إن وجدت بين ترامب شخصيا وبوتين بأنه يميل إلى روسيا، لأن أمريكا دولة مؤسسات والإدارة جمهورية، ويخطر بالبال تذكر الزيارة الحميم من قبل بوش الابن بداية ولايته الأولى إلى روسيا واستضافة بوتين له في مزرعته الخاصة، وكيف أن كل شهر العسل الوهمي هذا لم يثني بوش قيد انملة عن تحدي روسيا وإسقاط نظام صدام البعثي الحليف لروسيا.
وبالتأكيد على أن العلاقات بين الدول الكبرى من الواجب تظل مستقرة لمنع وقوع حرب نووية عالمية، ولو كانت متوترة، وهذا يعني أنها علاقات شكلية ليست حقيقة، لحفظ الاستقرار الدولي، ومع كل ذلك من الوارد أن يصطدم ترامب مباشرة وجها لوجه مع روسيا، في مراحل متقدمة، نظرا لنتائج وتداعيات لموقفه الحازم ضد إيران وهي حليف أساسي لروسيا.
4- الموقف من نظام الأسد:
على الرغم من انخداع ترامب بكذبة أن الأسد يحارب الإرهاب وداعش، وأنه يريد الاستقرار لسورية، وأنه لا يدعم الفوضى وسياسة إسقاط الأنظمة، إلا أنه أمر مؤقت عابر، إذ سرعان ما سيكتشف أن نظام الأسد أكبر داعم وحاضن للإرهاب وأهم معين للتدخلات الإيرانية في المنطقة، وسيكتشف الخداع والدجل وعدم الجدية في الوصول لحل سياسي، وسيكتشف الخداع الروسي المتواصل بلا انقطاع لإبقاء الأسد الذي ينتج عنه استمرار الفوضى والحرب.
وذلك يعني أنه نهاية الأمر سوف يدعم ليس فقط إقامة مناطق عازلة لإيواء اللاجئين، بل أيضا سوف يصل لقناعة بوجوب إسقاط الأسد، ليس ضمن سياسة تأييد الربيع العربي، ولكن على الأقل في سياسية ضرورة إنهاء الحرب وإعادة الاستقرار للمنطقة وإيقاف الإرهاب وموجات اللاجئين. يتبع الجزء الثاني إن شاء الله…
زاهر طلب
كاتب وباحث استراتيجي
مقال رائع و عميق يدل على خبرة عميقة بمجريات التطورات العصرية للعلاقات الاستراتيجية بين الدول
الشكر موصول لك أخ زاهر على كل هذا العمق و الصدق في الطرح … نرجوا لك مزيدا من العلم و العمق في النظر للأمور