في مقال الكاتبة خولة خمري المعنون “لعبة التيه العالمي بين عولمة الأقوياء وهوية الضعفاء”، قمت بوضع بعض الأفكار المغايرة النقدية على بعض أبرز أفكار المقال، تقول:
“لقد كثر الحديث في العقود الأخيرة عن العولمة Globalization والثقافية منها بشكل خاص فتعددت الآراء واختلفت بين رجال الفكر والسياسة والفلسفة…بين مادح وذام لها، فكل باحث أو دارس حاول دراسة جانب من جوانبها، فباتت تعقد حولها الندوات والمؤتمرات لما لها من أهمية كبرى في تشكيل الوعي العالمي، والأثر الكبير الذي تحدثه على الهويات، خاصة في مجتمعات دول العالم الثالث منها باعتبارها الحلقة الأضعف وسط هذا الصراع المحتدم بين أقطاب العالم”.
إن دول العالم الثالث ليست حلقة ضعيفة ولا مهمشة في لعبة العولمة، فالساحة والملعب مفتوح، والقانون الطبيعي هو أن البقاء للأفضل والأكثر جدارة، وليس للأقوى كما نتصور، فهي لعبة طبيعية شبه عادلة، وها هيي الصين مثلا وكثير من الدول التي كانت متخلفة قد استفادت في لعبة العولمة مثل النمور الآسيوية، وها هو ترامب يحاول إخراج أميريكا منها بإلغاء اتفاقات التجارة وفرض الجمارك.
بالإضافة إلى أنه يجب أن نفرق بين العولمة كنوع من استعمار غربي يريد فرض النموذج الحضاري الغربي، وبين الحداثة التي هي انتقال من حياة العصور الوسطى للعصر الحديث، حيث يسجل للحضارة الغربية حاليا أنها هي التي قامت بهذه النقلة، ويبدو أنه لا يمكن لأي حضارة قديمة مهما تكن عريقة، إجراء هذا الانتقال حاليا بدون أخذ الحداثة الغربية على الأقل بأبعادها العالمية، ثم يمكنها إضفاء الطراز والشكل والجوهر الخاص بهذه الحضارة عليها، كما فعلت اليابان مثلا، وتتابع:
“ففي خضم التحولات العالمية التي يشهدها العالم خاصة منذ سقوط جدار برلين Berliner Mauer سنة 1989، وظهور ما يعرف بالنظام العالمي الجديد إثر بروز فكرة القطب الواحد للتربع على عرش سيادة العالم بعد انهار الاتحاد السوفياتي، صار السؤال الملح الذي تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها هو: من سيكون العدو الجديد للمعسكر الرأسمالي ؟”.
إن انهيار جدار برلين لم يكن كارثة أو مشكلة بقدر ما كان إنجاز وارتياح من نموذج حضاري امبريالي سيئ وفاشل، حيث الشيوعية التي أدخلت شعوبها في الجهل والتخلف والمرض والموت من الجوع وحكمتهم بأشد أنواع القمع والاستبداد، وأسهمت بدور سلبي على مستوى السياسة العالمية، ولم تكن كما نتصور ونتمنى عاملَ توازنٍ نزيه، ولم تطبق شعاراتها حقا في نصرة العالم الثالث وإعلاء شأن الطبقات الكادحة، ولهذا عندما سقطت غير مأسوفٍ عليها، كان أكثر الناس فرحا بسقوطها هي الشعوب التي كانت تحت نير استعبادها الذي فاق بمراحل قسوة الاستعمار الغربي. وتتابع:
“فكان الإسلام هو البديل الجديد للاتحاد السوفياتي كعدو شرس، وبات الخوف من الإسلام هاجس الغرب الذي يؤرقه ويقض مضجعه، لتتحول أنظار العالم الغربي قاطبا تجاه هذا العدو الجديد، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل النظام الفكري الغربي قائم على هاجس ضرورة العيش على مبدأ وجود عدو حتى يقتات العيش على هذا الحراك العدائي…”!!!.
في حقيقة الأمر، لم يصبح الإسلام عدوا بديلا في العقل الغربي عن الشيوعية، وإنما ما حصل هو أن الشيوعية لم تنتهي فعليا بسقوط الاتحاد السوفياتي، مثل ما أن الإسلام لم ينتهي مثلا بسقوط الخلافة، ومن ثم بقي الخطر الشيوعي بشكله السياسي وليس الاقتصادي، بقي قائما ويهدد العالم، ومن أخطر تهديداته أنه حاول إقناع العالم الغربي بأن الإسلام أصبح هو الخطر وهو العدو، وكان للشيوعية السياسية الجديدة متمثلة بدولة روسيا وإيران غيرها دور كبير في إنشاء تنظيمات إسلامية متشددة كالقاعدة وداعش، لأجل إضفاء مصداقية زائفة على ذلك الزعم.
بالمقابل فإن العقلاء من سياسيي العالم الإسلامي وكذلك الغربي يبقون يؤكدون دوما بلا توقف على أن الإسلام ليس عدوا، وليس له هدف امبريالي ولا راديكالي، وهو فعليا كذلك، خاصة أن العالم الغربي يتجه تدريجيا مع الديمقراطية إلى التخلص من الأحقاد الصليبية القديمة والعداء الصليبي التاريخي ضد الإسلام.
فالمطلوب هو المساعدة في هذا الاتجاه، وليس المضي في ما يهدف له المعسكر الشرقي من تسعير عداوة غير ضرورية بين الإسلام والغرب، وذلك أيضا لأجل التركيز على الحذر من العدو المشترك لكل من الحضارة الإسلامية والغربية، وهو الشيوعية بأنواعها ومشتقاتها. وتتابع:
“وأذهب أبعد مما قاله الدكتور حسن حنفي بالتأكيد على أن المهمة أكبر من مجرد محاولة نشر الهوية الأمريكية، بل من أجل بعث الهوية الصهيونية العميقة بنسخة أمريكية تغطيها شعارات وهمية زائفة، فروح الصهيونية انتقلت من لندن إلى نيويورك القلب النابض لأمريكا والعالم أجمع، وذلك إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939، ليبعث المشروع الصهيوني في أمريكا من جديد من خلال الدور الكبير لما أطلق عليهم “المسيحيون الجدد” كتحالف عالمي يجمع بين الصهيونية والمسيحية المتطرفة، وقوة عالمية لها دورها الرائد في تحريك موازين الخارطة الهوياتية للعالم”.
إن الصهيونية في الأصل حركة يهودية وليس مسيحية، وقد انتقلت نوعا ما من اليهودية لبعض الطوائف المسيحية بشكل غير كامل، فهناك عقيدة القيامة لدى البروتستانت التي تقول بجمع اليهود في جزء من فلسطين فقط، وليس كل أرض ما بين الفرات والنيل كما في العقيدة الصهيونية اليهودية، وذلك لأجل أن ينزل المسيح عليه السلام فيحرق نصف هؤلاء اليهود ويتنصر الباقي، وليس لأجل أن يحكم هؤلاء اليهود العالم كما في العقيدة الصهيونية اليهودية.
وعليه فإن الخطر من الصهيونية المسيحية هو خطر حقيقي ولكنه محدود وثانوي بالنسبة للخطر الصهيوني اليهودي، والذي أيضا هو في واقع الأمر متحالف من تحت الطاولة مع الشيوعية وبقاياها بشكل أكبر وأكثر عمقا من تحالفه مع الغرب والمسيحية.
زاهر طلب
كاتب وباحث استراتيجي
الشكر موصول للكاتب و الباحث الإستراتيجي زاهر طلب على هذه القراءة العميقة في قراءته لمقالي الموسوم ب “لعبة التيه العالمي بين عولمة الأقوياء و هوية الضعفاء ” نقطة فقط أردت طرحها و من دون حتى الغوص و الولوج لمتن مقالي و نستشف ذلك من عنوان مقالي و هي فكرة اللعبة و فكرة التيه هي مستشفة من دراسات ما بعد الحداثة و أظن أنه عصرنا بإمتياز لما يتميز به عصرنا من التيه .
و النقطة الأكثر أهمية هي فكرة الصهيوينة المرتبطة و بشكل مباشر بالتيه العالمي و فكرة اللعبة التي تتميز هي الأخرى بالمكر و الخديعة و هي الأفكار التي أردت أن اعكسها على تطورات و جريا تالعصر من خلال العولمة كعنصر و لعبة استعمارية في ثوب جديد بديل عن لغة الاستعمار التقليدي المباشر …. حقيقة أفكار كثيرة أردت عرضها و أجدد شكري على توجيهاتكم النيرة لي
تقلوا مني فائق الإحترام و التقدير