أهم الأمور لمعرفة الواقع بشكل صحيح 1

هذا الموضوع هو واحد من أهم الموضوعات على الإطلاق في معرفة وفهم الواقع بشكل صحيح، وهو مكتوب بأسلوب بسيط ويعتمد على وسائل بسطية يفهمها الجميع لفهم الواقع وهي أهم الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار لفهم الواقع.

أمور مهمة لفهم الواقع:

أصناف الناس في معرفة الحقيقة:

يختلف الناس في معرفة الحقيقة وفهم الواقع على أربعة أصناف:

الصنف الأول: من يريد معرفة الحقيقة عن طريق النظر في الشكل الخارجي فقط، كأن يمتدح شخصا ما لطول لحيته، أو لعمامته، أو للباسه المتواضع، وإن كانت هذه إحدى إشارات الصلاح، إلا أنها لا تكفي لمعرفة واقع الشخص معرفة يقينية. وهذا الصنف من أضل الناس.

الصنف الثاني: من يريد معرفة الحقيقة عن طريق الأقوال والتصريحات الدعائية فقط، وإن كانت هذه إحدى إشارات الصلاح، إلا أنها لا تكفي لمعرفة واقع الشخص معرفة يقينية.

وهذا الصنف مُعرضٌ للتضليل، وذلك لإمكانية وقوع الكذب عليه، قال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة:8]. وقال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ*وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:204-205].

الصنف الثالث: من يريد معرفة الحقيقة عن طريق رؤية الأفعال فقط، وإن كانت هذه إحدى إشارات الصلاح القوية، إلا أنها لا تكفي لمعرفة واقع الشخص معرفة يقينية، وهذا الصنف مُعرض للتضليل كذلك من صورتين:

· صورة المنافق الذي يشهد الجمعة والجماعات، فلو نظرت إلى ظاهر عمله فقط، خُدعت به.

· صورة المرائي ولو بأفضل الأعمال والطاعات، كقراءة القرآن والجهاد والصدقة، فهذا النوع يخالف ظاهره باطنه. والحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، الذي يخبرنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أول ثلاثة تسعّر فيهم النار يوم القيامة أدل دليل على صحة ذلك. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”. [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].

الصنف الرابع: من يريد معرفة الحقيقة عن طريق قراءة الأفكار والعقائد، فهذا الصنف لا يضل ولا يزل بإذن الله، ولا يلدغ من جحر واحد مرتين. وهذا الأسلوب هو الأدق والأصوب، ولا يستطيعه أو يُطيقه كثير من الناس.

وأصحاب هذا الصنف هم الفقهاء في الواقع، ينذرون أقوامهم ويأخذون بأيديهم بعيداً عن مواطن الزلل والخديعة، قال تعالى:)وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..( [النساء:83].

ونحن في أمسّ الحاجة إلى هذا الصنف من الناس وتكثيره، في زمن السنوات الخدّاعات التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “ثم يأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدّقُ فيها الكاذب، ويُكذّبُ فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائـن، ويُخوّن فيهـا الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيـل: وما الرويبضة؟ قـال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة” ([1]).

كي يقوم أولئك بتصحيح الصورة، وإحقاق الحق، وتصويب الأوضاع، فكيف الحال بأمة ترى الصادق كاذباً والكاذب صادقاً ؟ وكيف بأمة ترى الأمين خائناً والخائن أمينا ً؟!

أمثلة من الخدع التي وقعنا في شَرَكِها:

1- تظاهر مصطفى كمال أتاتورك اليهودي بالإسلام، حتى تمكن من القضاء على الدولة العثمانية، وسلخ تركيا علانية عن الإسلام([2]). فلو أن المسلمين لم يأمنوا جانبه، واحترسوا منه لاحتمال مخادعته للمسلمين بصفته يهودياً سابقاً لما لدغوا من جحره، فالغاية عند اليهود تبرر الوسيلة. وعلى رأس هذه الوسائل الكذب المبرمج والخديعة.

2- التحالف القديم بين الإسلاميين والاشتراكيين بقيادة لينين في روسيا النصرانية قبل الثورة البلشفية الشيوعية([3])، وبعد نجاح الثورة تم الهجوم على الجمهوريات الإسلامية المستقلة. فلو أنهم لم يأمنوا جانبه، واحترسوا منه لاحتمال مخادعته للمسلمين بصفته شيوعياً لما لدغوا من جحره، فالغاية عند الشيوعية تبرر الوسيلة، وعلى رأس هذه الوسائل الكذب المبرمج والخديعة.

3- قيام الرئيس جمال عبد الناصر الاشتراكي بالانضمام إلى الإخوان المسلمين حتى تمكن من استلام السلطة ليقضي على الحركة الإسلامية، “فقد قرر مجلس قيادة الثورة في جلسته المنعقدة في 12/1/1954حَلّ جماعة الإخوان المسلمين، واتهمهم بقلب نظام الحكم، والاتصال بالإنجليز” ([4]).

يقول حسين محمد حمودة أحد الضباط الأحرار في جماعة الإخوان المسلمين بهذا الشأن: “كانت الخلية الرئيسية في تنظيم الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة مكونة من سبعة ضباط هم: عبد المنعم عبد الرءوف و جمال عبد الناصر و كمال الدين حسن و سعد توفيق و خالد محي الدين و حسين حمودة و صلاح خليفة “.

وقال: “التقينا نحن السبعة وحضر اجتماعنا الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين، وتكررت اجتماعاتنا مرة كل أسبوع في منزل عبد المنعم عبد الرءوف بالسيدة زينب، وفي منزل جمال عبد الناصر… وتكررت اجتماعاتنا الأسبوعية ولم تنقطع أبدا طيلة الفترة (1944- 1948) أربع سنوات وأربعة اشهر” ([5]).

فإن كان الإخوان المسلمون يعلمون أن جمال عبد الناصر كان عضواً في خلية شيوعية قبل الثورة اسمها الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني( حدتو )([6]) فتلك مصيبة، وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم. فلو أنهم لم يأمنوا جانبه، واحترسوا منه لاحتمال مخادعته للمسلمين بصفته شيوعياً، أو شيوعياً سابقاً على أقل تقدير لما لدغوا من جحره، فالغاية عند الشيوعية تبرر الوسيلة، وعلى رأس الوسائل الكذب المبرمج والخديعة.

4- تظاهر ميشيل يوسف عفلق اليهودي بالنصرانية، ثم تم الإعلان عن إسلامه بعد وفاته كذباً وزوراً([7]). وأمِنَه من أمِنَه من غثاء المسلمين، وساروا على نهجه الاشتراكي، وصدق بعض الغثاء قصة إسلامه الموهومة. فلو أنهم لم يأمنوا جانبه، واحترسوا منه لاحتمال مخادعته للمسلمين بصفته يهودياً أو شيوعياً، أو شيوعياً سابقاً، أو اشتراكياً على أقل تقدير ما لدغوا من جحره، فالغاية عند اليهودية و الشيوعية و الاشتراكية تبرر الوسيلة، وعلى رأس هذه الوسائل الكذب المبرمج والخديعة.

5- بعد نجاح الثورة الشيعية الإمامية الخمينية في إيران، أعلن عن قيام جمهورية إيران الإسلامية، قام عامة المسلمين بتهنئة بعضهم بعضاَ، وظنوا بهذه الثورة خيراً، علماً أن الخميني يعتقد بالخط الثوري الماركسي الشيوعي. . فلو أنهم لم يأمنوا جانبه، واحترسوا منه لاحتمال مخادعته للمسلمين بصفته شيعياً إمامياً، أو شيوعياً، أو اشتراكياً على أقل تقدير ما لدغوا من جحره، فالغاية عند الشيعة و الشيوعية تبرر الوسيلة، وعلى رأس هذه الوسائل الكذب المبرمج (التقية)، والخديعة.

6- الدجال وهو أسوأ خدعة منتظرة، وزمان خروجه قد يكون قد اقترب، فمن خُدِعَ بمن سبق ذكرهم، فكيف سينجو من فتنته؟ مع العلم أن علم تسخير الشعوب الذي تقوم عليه الاشتراكية اليهودية يزداد تطوراً مع الزمن.

————————————-

(1) ((صحيح ابن ماجة))، رقم: ( 4036) عن أبي هريرة .

(2) ((الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام))، عبد الله التل، (ص 75، 85، 90).

(3) طارق حجي في كتابه ((أفكار ماركسية في الميزان))، ص 65، دار المعارف.

(4) جريدة الجمهوربة، 15 يناير 1954، الصفحة الرئيسية.

(5) ((أسرار حركة الضباط الأحرار)) (ص33).

(6) المرجع السابق، (ص157)، وفيه قيام عبد الناصر بنقض الاتفاق بينه وبين الإخوان على الحكم بكتاب الله، وفتكه بالحركة الإسلامية (ص161-167)، وراجع كتاب: ((فشل حركة يوليو بعدائها للتيار الإسلامي)) للدكتور جابر الحاج (ص34).

(7) نقل خبر إسلامه وسائل الإعلام في حينه. وقد ذكر يهودية أبيه يوسف عفلق، الذي اعتنق النصرانية.

المصدر:

كتاب الفقه السياسي ضرورة شرعية لتحقيق النصر ودرء الفتن

Scroll to Top