أسرار الصوفية عند الجنيد و الحلاج

تلخيص كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية حلقة 2

سر الصوفية: نكمل معكم تلخيص كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة الكشف عن حقيقة الصوفيةفي التاريخ تأليف محمود عبد الرءوف القاسم لخصنا في الموضوع السابق حول أبرز أقوال كبار مشايخ الصوفية في أنها مذهب واحد وطريق واحد ونؤكد على ضرورة قراءة الفصلين الأول والثاني بهدوء وإمعان.

الفصل الثاني: مدخل إلى فهم النصوص الصوفية

قبل الولوج في متاهات النصوص الصوفية، ودهاليزها الملتوية المتعرجة، وزحاليقها المتقنة الصنع، قبل ذلك يجب أن نأخذ فكرة واضحة عن الأساليب التي يتبعونها في بسط أفكارهم وعقائدهم، في أقوالهم وكتاباتهم، في تواليفهم ودعاياتهم، لنستطيع فهم كلامهم بوضوح تام، وأن نعرف أغراضه وأهدافه، وبدون ذلك لا نستطيع دراسة الصوفية دراسة صحيحة، وستكون دراستنا لأساليبهم من أساليبهم، ومن أقوالهم وتواصيهم فيما بينهم. سنرى في هذه الدراسة بوضوح تام ما يلي:

1- هناك سر غريب يتواصون بكتمانه عن غير أهله وهم الصوفية.
3- هذا السر هو كفر وزندقة، يُقتل من يبوح به على أنه مرتد عن الإسلام.
4- يقسّمون المجتمع الإسلامي إِلى صنفين:
أ- أهل الشريعة: ويسمونهم أهل الظاهر أو أهل الرسوم أوالأوراق أو العامة.
ب- أهل الحقيقة: وهم الصوفية، ويسمونهم أيضاً أهل الباطن، وأهل الأذواق، أو الخاصة، وخاصة الخاصة هم كبارهم.
5- يتواصون دائماً وفي كل زمان ومكان، أن يظهروا لأهل الشريعة ما يوافقهم من الأحكام الإسلامية، وأن يكتموا عنهم ذلك السر لئلا تباح دماؤهم، إِلا في حالات معينة (ستمر بين ثنايا النصوص) حيث يعبرون عنه باللغز والرمز والإشارة والعبارة المنمقة.
6- لا يُعرف هذا السر إِلا بالذوق، أي: أن يذوقه الإنسان بنفسه، وضربوا لذلك مثلاً: اللذة الجنسية التي لا يعرفها إِلا من يذوقها كما يرمزون في العادة، إِلى الذات الإلهية بأسماء مؤنثة مثل ليلى وبثينة وغيرها..

وهذه نصوص لأئمتهم وأقطابهم وعارفيهم أوردها حسب التسلسل التاريخي (بدون دقة) (النصوص كثيرة وسيتم الاقتصار على أهمها):
– مما ينسبونه لزين العابدين (وهو في الواقع لكلثوم بن عمرو العتّابي توفي عام: 220هـ):

يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسناً([1])
فما هو هذا العلم الذي لو أباح به لرمي بالوثنية ولقتل على الردة؟
– ويقول أبو بكر الكلاباذي (تاج الِإسلام)([2]): “قال الجنيد للشبلي([3]): نحن حبرنا هذا العلم تحبيراً، ثم خبأناه في السراديب، فجئت أنت فأظهرته على رؤوس الملأ! فقال: أنا أقول، وأنا أسمع، فهل في الدارين غيري؟”. أ.هـ

يهمنا في هذا النص قول الجنيد فقط إِنه يخبر عن علم حبره هو تحبيراً، (أي: وضع قواعده وأصوله)، ثم خبأه في السراديب! فما هو هذا العلم المخبأ؟! ولم خبأه في السراديب؟! أما قول الشبلي فسنراه فيما بعد.
– ويقول الجنيد أيضاً:” لا يكون الصدّيق صدِّيقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صدِّيقاً أنه زنديق، فهم يشهدون على ظاهره، مما ظهر من حاله؛ لأن الصديق يعطي الظاهر حكم الظاهر، ويعطي الباطن حكم الباطن، فلا يلبسون بالباطن على الظاهر ولا بالظاهر على الباطن، فهم يشهدون أنه زنديق ظاهراً، كما يعلمون أنه صديق باطناً، لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم”([4]). أ.هـ
يا للعجب! ظاهراً – أي حسب الشريعة- زنديق، وباطناً صديق!! فهل الشريعة تخدعنا؟؟ فأما العلم الظاهر، فقد عرفناه، إنه علم الشريعة. فما هو علم الباطن؟! ولم هو باطن؟!

– وقال الحلاج: (يخاطب الناس في المسجد) ويروي القصة عبد الودود بن سعيد الزاهد: “…اسمعوا، إن الله أباح لكم دمي فاقتلوني، فبكى بعض القوم، فتقدمت من بين الجماعة، وقلت: يا شيخ، كيف نقتل رجلاً يصلي ويصوم ويقرأ القرآن؟ فقال: يا شيخ، المعنى الذي به تحقن الدماء خارج عن الصلاة والصوم وقراءة القرآن، فاقتلوني تؤجروا وأستريح، فبكى القوم، وذهب، وتبعته إلى داره، وقلت: يا شيخ، ما معنى هذا؟ قال: ليس في الدنيا للمسلمين شغل أهمّ من قتلي. فقلت له: كيف الطريق إِلى الله تعالى؟ قال: الطريق بين اثنين، وليس مع الله أحد. فقلت: بين. قال: من لم يقف على إشارتنا لم ترشده عبارتنا”([5]). أ.هـ

إنه يقرر أن الشريعة تبيح قتله! فلِمَ؟ ويقرر أن المعنى الذي يباح قتله من أجله خارج عن الصلاة والصوم وقراءة القرآن! فما هو هذا المعنى؟ لننتبه إلى قوله: (ليس مع الله أحد)، وقوله: (من لم يقف على إِشارتنا لم ترشده عبارتنا). ويقول:

كفرت بدين الله والكفر واجب عليّ وعند المسلمين قبيح([6])
– يعني بقوله: (كفرت) أي: سترت، والكفر هو الستر، فهو يقول: سترت بالإسلام، والستر واجب عليّ. – فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟!
– فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟!
تابعونا

([1]) الأنوار القدسية في بيان الآداب للشعراني، هامش الطبقات: (1/134)، والمناظر الإلهية، (ص:44)، والفتوحات الإلهية، (ص:44) وغيرها.
([2]) التعرف لمذهب أهل التصوف، [باب: 65، (ص:145)].
([3]) الشبلي من أصحاب الجنيد وأقرانه مات في بغداد عام (334هـ).
([4]) المناظر الإلهية، (ص:44)، وكشف الحجاب، (ص:373) وغيرها.
([5]) أخبار الحلاج، (ص:57).
([6]) ديوان الحلاج، (ص:28).

Scroll to Top