لما خفيت علينا كثير من معاني الألفاظ والمفاهيم سواء الشرعية أو المعاصرة، فقد حصل الخلط وكثر اللغط وكثر القيل والقال، ومن هذه المفاهيم مفهوم المواطنة، فماذا تعني هذه الكلمة؟ وهل هي مفهوم شرعي أنها مجرد مفهوم مدني علماني معاصر؟ دعونا نتعمق ونبحر في معانيها وما تحويه وما يترتب عليها من حقوق وواجبات.
ما هي المواطنة؟
هي كلمة معاصرة لكن معانيها قديمة قدم وجود الإنسان، وهي تعني العضوية الكاملة والمتساوية بين جميع الأفراد في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهي تعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق أرض الوطن سواسية بدون تمييز قائم على معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى المادي أو الانتماء السياسي، وعليه فإنه يترتب على التمتع بالمواطنة سلسلة من الحقوق والواجبات تتركز على قيم أهمها:
1- المساواة : والتي تنعكس في عدة حقوق، كالتلعيم والجنسية والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء والأمام بتاريخ الوطن.
2- الحرية : وتتضمن العديد من الحقوق مثل حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر الدينية وحق الحديث والمناقشة بحرية، وحق الاحتجاج أو تأييد قضية حتى لو كانت تتعارض مع الحكومة، وحرية المشاركة في المؤتمرات واللقاءات ذات الطابع السلمي والاجتماعي والسياسي.
3– المشاركة : وتشمل العديد من الحقوق مثل المشاركة في حملات التصويت للانتخابات بأنواعها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي هيئات أخرى لخدمة المجتمع وضمن حدود مصلحته، وأيضا حق الترشيح للانتخابات.
وقد جاء الشرع بتأييد حق المواطنة في الكتاب والسنة، فأما من الكتاب فقوله تعالى حكاية عن قوم شعيب: “قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا”، فكلمة “فينا” تدل على معايشة شعيب عليه الصلاة والسلام لهم وتوطنه معهم رغم كفرهم، ومن صورها أيضا قول يوسف لملك مصر: “اجعلني على حزائن الأرض إني حفيظ عليم” والملك آنذاك كان كافرا أي ملك مصر وشعبه. وأما من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: “الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”، ومنها صحيفة المدينة التي جاء في بنودها:
– أن المسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم ولحق بهم أمة واحدة.
– وأن اليهود لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات مع خصوصية للمسلين في بعض الأمور.
فالوثيقة أعطت حق المواطنة لسكان المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود وغيرهم بصرف النظر عن العقيدة (وهي الحقوق المعروفة بالحقوق المدنية)، كما جعلت غير المسلمين في دولة المدينة مواطنين لهم فيها مثل ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين مع تفاوت في بعض القضايا للمسلين الخاصة بالتشريع.
وربما يظن الكثيرون أن المواطنة في الإسلام لا تصلح إلا بين المسملين، فنقول إن مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في أكثر من موطن تدل على أن المواطنة عامة، وكذلك بنود الصحيفة تدل على ذلك، إضافة للأحاديث والآيات التي تأمر باحترام أهل الذمة وأداء حقوقهم وصيانة حرماتهم وعلى رأسها قوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”
ويشير بعض أهل الاختصاص إلى المواطنة وحقوقها فيقول رفاعة الطهطاوي في كتابه منهاج الألباب “قضية الوطنية لا تستدعي فقط أن يطلب الإنسان حقوقه الواجبة له على الوطن، بل يجب عليه أيضا أن يؤدي الحقوق التي للوطن عليه، فإذا لم يوف أحد أبناء الوطن بما عليه من حقوق لوطنه ضاعت حقوقه المدنية التي يستحقها”، ويقول طارق رمضان في موقعه: “المواطنة المؤمنة تفرض على الفرد المؤمن المخلص لتعاليم الدين أن يكون ملتزما بما لوطنه عليه وأن ينبذ العنف بكل أشكاله، ويقول أيضا “ومن واجبات المواطنة الانخراط والمشاركة السياسية الإيجابية في المشروع الوطني السياسي” ويؤكد على ثلاثة معايير موضوعية للمشاركة السياسية في الانتخاب وهي:
1- الاسقامة. 2- الكفاءة. 3- تسديد الخدمة للمواطنين.
وعلى هذا فالمسلم المتشبع بقيم دينه وروح أحكامه لا يمكن إلا أن يكون مواطنا صالحا مسؤلا ومتضامنا مع مواطنيه غيورا على وطنه، فالإسلام يحض المرء على الارتباط بالوطن، والولاء للدين أولا ثم للوطن.
كتبه ونقله الأخ سامر بن محمد آل مزهر، راجعه فضيلة الشيخ سمير مراد (بتصرف).