ما أحوجنا اليوم للنظر في مآلات الأحكام الشرعية المنزّلة على الواقع، فإن هذه القواعد الأصولية تتجدد الحاجة اليها مع كل اختلاف في الزمان والمكان، ومع التقدم العلمي والمدني في البلدان..
فهذا مقتبس قصير من مقدمة كتابي، الفقه السياسي ضرورة شرعية لتحقيق النصر ودرء الفتن، والذي قد بيّنت فيه الأحداث اللاحقة – منذ صدوره الى اليوم – ما كنت قد نبهت فيها الى وقف نزيف الدم والدمار الشامل الذي سيحلق بالأمة، فقد جاء فيها:
“لذا فإنه من الواجب على فريق من العلماء العاملين، أن يولوا هذا العلم (الفقه السياسي) في هذا الزمان أولوية خاصة، وبأسرع ما يمكن لوقف نزيف الدم، والدمار الشامل المحدق بالأمة الإسلامية. كما وعلى شباب الصحوة أن يتعلموه جنباً إلى جنب، مع علوم التوحيد، والفقه وأصولــه، والقرآن وعلومـه، وعلوم اللغـة، ولا يرغبوا عنه بحجج لا يستقيم أمرهــا، ولا تقف أمام واجب التفقه في الواقع المطلوب مـن كل فرد بحسبه.
وعليهم كذلك أن يعلموا عن أي الجهات يأخذونه ويتعلمونه، وعليهم أن لا يُسلموا قيادتهم الفكرية لمفاهيم ونظرات حزب التحرير السياسية، المتأثرة بنظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ، ولا لمن أعجب بفكره، أو تأثر به، فإنها الطامّة الكبرى والهلاك بعينه. بل أصبحت هذه المفاهيم والنظرات السياسية التحريرية هي الحاكمة على تفكير كثير من الشباب والشياب والذكور والإناث دون شعور منهم، فخرج جل جهدهم وجهادهم عن المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، وتراهم بعد حين من بذل الجهود والطاقات، خاصة حدثاء الأسنان منهم، يقومون بمراجعات فكرية لتصحيح الأفكار والاستغفار عن الأخطاء والأخطار”. انتهى.
وقد قامت بعض الجماعات الثورية بعمل مراجعات فكرية داخلية، منها مراجعات الجماعة الإسلامية في مصر، التي صدر لها العديد من الكتب ليس في النقد الذاتي فقط، بل وفي نصح الحركات والتنظيمات الجهادية الاخرى كتنظيم القاعدة.
كما صدرت كثير من الكتب النقدية:
▪نقد المقاومة الشيعية اللبنانية (حزب الله)
▪نقد دعوة الاخوان المسلمين
▪نقد لأفكار حزب التحرير الاسلامي ووعيه السياسي
▪نقد جماعة الدعوة والتبليغ
▪نقد دولة الخلافة في العراق والشام
بل هوجم المنهج السلفي من قِبل أطراف خمينية و يمينية ثورية وأخرى يسارية.
وأمام هذه الحقائق، وما يجري اليوم ومنذ طوفان الاقصى بتاريخ ٧/١٠/٢٠٢٣، من فتن وابتلاء نتيجة ردّ العدو الصهيوني الهمجي البربري على قطاع غزة، مما أدى لمقتل ما يزيد عن ١٣ الف شهيد بإذن الله، وجرح ٣٠ الف، وهدم وإصابة الضرر بحوالي ٣٠٠ الف وحدة سكنية، ونزوح قرابة مليون وربع مواطن من قطاع غزة، بل أكثر من ذلك، وغير ذلك من المفقودين، والفقر والأمراض…
فأمام هذه الحقيقة ما أحوجنا للقيام بما يلي:
▪قيام حماس بمراجعات فكرية في المنهج والعقيدة
▪قيام حماس بعمل مراجعات في الفقه السياسي
▪قيام حماس بعمل مراجعات في فقه الواقع
فإن لم تقم حماس بعمل تلك المراجعات وتعلنها صراحة وتستغفر الله، ما أحوجنا لإصدار كتاب نقد خاص بحماس يجمع في فصوله الأفكار والأخطار، ليصل في النهاية الى النتائج، ثم الى التوصيات.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
فكرة تأسيس حركة سعودية للقتال في فلسطين
وهو سؤال لكل من يعادي السعودية أو ينتقد سياستها، عزيزي أرجو أن تتفكر بهذا السؤال وتتدبره بهدوء وبكل أمانة صادقة.
ماذا سيكون موقفك من السعودية لو أنها شكلت حركة فلسطينية مقاتلة تحت شعار تحرير الأقصى وأمدتها بالمال والسلاح والخبرات العسكرية، وقامت تلك الحركة باستهداف المستوطنات بما لديها من سلاح ضعيف لا يقارن مع عتاد العدو، ولم تقم بتوفير أدنى متطلبات حفظ الأنفس للمواطنين في القطاع، من ملاجئ وماء ودواء وغذاء.. فكان ردّ العدو مُدمراً، فقتل ألف مواطن، وجرح عشرات الآلوف، وأحرق مساحات واسعة من أرض قطاع غزة على رؤوس المدنيين، وقطع عنهم الماء والغذاء والدواء والطاقة، بل هدم المشافي وهجّر مليون غزاوي…
ثم خرج ذلك الفصيل أو تلك الحركة يمدح السعودية لدعمها، ويقول للناس حققنا نصراً على عدونا، كون الحركة المقاتلة بقيت سالمة. ثم قامت السعودية مرة أخرى بخوض معركة ثانية مستخدمة تلك الحركة بنفس الطريقة السابقة، إلا انها رفعت قليلاً من نوعية السلاح والتدريب ولكنه لا يكفي لأدنى درجة من النكاية، فقتلت ٥٠٠ مستوطن، و ٣٠٠ عسكري وغيره.
فقام العدو بالهجوم العنيف فقتل ١٠ آلاف مواطن ربعهم من الأطفال والنساء، وهدم ٣٠٠ الف وحدة سكنية، وفعل وفعل… كما فعل في المرة الأولى وأكثر…. وخرجت الحركة تمدح السعودية لدعمها، وتقول انتصرنا كون الحركة وقيادتها بقيت سالمة..
وهكذا فعلت السعودية في المرة الثالثة، والرابعة… وهكذا خرجت الحركة في كل مرة تعلن انتصارها!
هل ستعتبر أن هذه المقاومة حققت نصراً؟
أم ستنتقد أداء السعودية لكونها تسببت بكارثة للشعب الفلسطيني مرة تلو أخرى؟ بل ولكونها امتنعت عن دخول الحرب بما تملك من أسلحة متطورة وطائرات وصواريخ بعيدة المدى، وبارجات، وأواكس، ورادارات إنذار، وصواريخ مضادة لحرب الفضاء، وجلست توبخ الحركة المقاتلة لكون قياداتها طالبوا السعودية بالتدخل؟
أرجو الاجابة…
فإن قلت: سأنتقد السعودية كونها منافقة لا تريد تحريراً للأقصى، وهي عميلة للعدو.
قلت: وهل ايران الخمينية الرافضية أمينة وصادقة حتى تثق بها؟
وإن أجبت بنعم: إيران أمينة وصادقة. قلت لك: السعودية أولى بالأمانة والصدق كونها دولة سنية لا تلعن الصحابة وليس لها ١٢ إمام تشرك بهم مع الله شيئا.
وإن أجبت بلا: إيران ليست صادقة، قلت كفى هذا الاعتراف بأنها لا تريد بنا إلا شراً.
يقولون بأن الفصائل الفلسطينية المقاتلة اضطرت للتعاون مع ايران وسوريا في مشروع التحرير، كون العرب السنة تركوهم.
قلت: هذا الزعم باطل أساسا للأسباب التالية:
1- كون تلك الفصائل تتبنى أفكارا ووعيا سياسيا معادياً للأنظمة السنية المعتدلة، ومعجب بإيران وبسوريا. وتلك الأفكار تدور بين (الماركسية والاشتراكية والخمينية).
٢- فتراهم منذ فجر التاريخ المعاصر يتهمون السعودية ودول الخليج والأردن ومصر بالخيانة والعمالة، وبعضهم يكفرون قياداتهم، في حين يعتبرون الثورة الخمينية ثورة إسلامية نقية يتمنون أن تتمدد في البلاد العربية، وأن سوريا هي دولة الصمود والتحدي أمام قوى الاستكبار العالمي، والقوى الرجعية العربية.
٣- لقد دعم الأردن ودول الخليج القوى المقاتلة في فلسطين سواء كانت يمينية أم يسارية، أما مصر السادات فقد أفرجت عن الحركات الإسلامية من السجون، إلا أن هذه الفصائل أربكت الأنظمة العربية وخاصة الأردن ولبنان ومصر السادات حين أرادت الاستقواء على الأنظمة والتآمر عليها لإسقاطها تحقيقاً لأهدافهم المعادية لها باعتبارها دول وظيفية زرعها الاستعمار. هكذا يفهمون الأمر، وهكذا كان جزاء تلك الأنظمة، فما كان منها إلا التخلص من سرطاناتها وطردها من أراضيها.
٤- اختارت تلك الفصائل الفلسطينية طواعية الارتباط بالمنهج الثوري السوري والإيراني في القتال، بعيدا عن منهج فتح بقيادة ياسر عرفات بعد هجوم عملية السلام الذي أعاد به قطاع غزة وسبع مدن فلسطينية وقراها. وكذلك بعيدا عن أسلوب مصر في الجمع بين القتال والسلام معاً والذي حقق نصرا وأعاد أرض سيناء للعرب.
فكيف يقال إن العرب تركوا دعمهم مما اضطرهم للتوجه للمعسكر الشرقي؟ فهذا كان أصلاً هو حالهم وفكرهم وتاريخهم!
لا ترددوا الاباطيل.
عدنان الصوص