ما المقصود بالخطر الشيوعي؟
كان هذا المصطلح شائعاً جداً في القرن العشرين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، فقد عملت الشيوعية الدولية بقيادة الاتحاد السوفياتي والعديد من الدول الشيوعية حول العالم على ارتكاب المجازر الكبرى ضد الإنسانية، وقد كانت المجازر بأرقام مخيفة وصلت إلى عشرات الملايين من القتلى في عقود قليلة، وهي أرقام فاقت كافة جرائم النازية والاستعمار الغربي طيلة قرون طويلة من الزمن، كما عملت الشيوعية على تصدير الانقلابات العسكرية إلى عشرات الدول الفقيرة والنامية، مما ضاعف من معاناة وموت الفقراء وشرائح العمال والفلاحين بالملايين. وللسخرية، فهي نفس الفئات الذين زعمت الشيوعية أنها جاءت لإنقاذهم!
ويُعتبر مصطلح “الخطر الشيوعي” مميزاً عن مصطلح “الشيوعية” العام، إذ يعتبرها الكثيرون مجرد نظامٍ اقتصادي فاشل أو مجرد نظام سياسي ديكتاتوري، لكن مصطلح الخطر الشيوعي يسلط الضوء على الحقيقة المخفية، حيث كانت ولا زالت الشيوعية هي الخطر الأول على الجنس البشري والقيم الإنسانية جمعاء، وفي نهاية المطاف اضطر الاتحاد السوفياتي لإجراء مسرحية تظاهر فيها بأنه سقط وأسقط وراءه الشيوعية، وذلك في سنة 1993، وذلك كي يتجنب السقوط بشكل حقيقي في وقت قادم.
وعلى الرغم من كون سقوط الاتحاد السوفياتي أقرب للمسرحية منه الحقيقة، وبالرغم من تفكك جمهوريات الاتحاد في الظاهر، فقد بقيت تحت سيطرة سرية وغير مباشرة من قبل روسيا، كما أن الشيوعية كأيديولوجيا قد استأنفات انتشارها من جديد تحت غطاء الزعم بانتهائها وانتفاء خطرها، وقد كان ذلك تحت مسميات مختلفة وفي أثواب تناسب كل شعب من الشعوب، وهذا كله كان بحسب خطة البيريسترويكا (إعادة بناء الشيوعية في الثمانينات)، والتي تقتضي بأن الشيوعية يجب أن تنبثق في أفكارها من خصوصيات الشعوب وتتظاهر بأنهم تنبع من تاريخهم وحضارتهم، فظهرت العديد من أشكال الشيوعية المقنّعة، والتي تزعم أنها نابعة من صميم ثقافة الشعوب مثل “الشيوعية الصينية” كأحد أشهر الأمثلة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد عملت الشيوعية على اختراق الكثير من الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، وخاصة الحركات الإسلامية مثل حزب التحرير والإخوان المسلمين، فعملت على الانتشار خفية بينهم وهم لا يشعرون، وذلك حتى من غير لافتة صريحة تعلن بأنها أحزاب مرتبطة بالشيوعية، وهذا مما زاد من سهولة انتشارها، كما زاد من صعوبة ملاحظة الجماهير لها، ووكذلك زاد من صعوبة تحذيرهم من ازدياد انتشار الفكر الشيوعي المتخفي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، حتى أصبح مجرد طرح الحديث عن الشيوعية والخطر الشيوعي مضرب مثلٍ في السخرية والتندّر، وبينما كان الناس غافلين عن كل ذلك، فقد تمكنت الشيوعية من تحقيق اختراقات كبيرة في العقود الأخيرة، وحققت نجاحات لم تكن تحلم بعشر عشيرها لو لم تقم بإخراج مسرحية سقوط الشيوعية.
أشكال الخطر الشيوعي العالمي الجديدة
لقد ظهرت على الساحة الدولية العديد جداً من مظاهر الخطر الشيوعي الجديدة، والتي واصلت التقدم تحت ستار انتهاء الخطر الشيوعي بسقوط الاتحاد السوفياتي، وفي الواقع يمكن تشبيه الأمر ببساطة بعقيدة الإسلام على سبيل المثال، مع فارق التشبيه، إذ لا يمكن اعتبار أن الإسلام قد سقط كليةً بمجرد سقوط الخلافة العثمانية، بل على العكس من ذلك، فقد ازداد انتشار خير الإسلام بسرعة أكبر في المئة سنة الأخيرة منذ ذلك الحين، وبالمثل، فقد وصل الفكر الشيوعي المستتر مؤخراً إلى مراحل متقدمة متمثلاً في العديد من البؤر الشيوعية العالمية الجديدة الكبرى، ومن أبرزها ما يلي:
دولة الصين الشيوعية الجديدة
كما هو معلوم، فهي أصبحت الصين الآن تفوق في حجمها البشري والاقتصادي حجم الاتحاد السوفياتي السابق، إذ نمت بشكل حثيث وتحت غطاء التحول إلى اقتصاد السوق الحر الرأسمالي، فعملت على استغلال أنظمة الرأسمالية الغربية لبناء قوة اقتصادية عظمى ليس بهدف التحول نهائياً إلى الرأسمالية وترك الشيوعية جانباً، ولكن لأجل استعمال هذه القوة الاقتصادية الكبيرة في إعادة بناء الشيوعية ونشرها على مستوى العالم، وهي نفس الخطة الشيوعية القديمة بحذافيرها، وقد كانت هذه الخطة مكتوبة ومنشورة! ولكن لم يكن أحد يصدق بأنها ستكون حقاً تحت التنفيذ، فقد كان كثير من الباحثين يظنون أنها مجرد خطة قديمة ومستهلكة.
وبعد عقود من النمو الاقتصادي السريع، عمل الرئيس الصيني الجديد “شي جين بينغ” في السنوات الأخيرة على إثبات أن الحزب الشيوعي في الصين عاقد العزم على مواصلة تنفيذ الخطة الشيوعية الأصلية، وذلك بأن تكون الرأسمالية مجرد مرحلة في طريق بناء الشيوعية، كما أثبتت الصين الشيوعية بجدارة أنها خطر شيوعي عالمي لا يقل عن شراسةً عن الاتحاد السوفياتي، فقد قامت الصين بعدة ممارسات ثتبت أنها خطر شيوعي عالمي من أبرزها ما يلي:
- الاستمرار اضطهاد المسلمين في الصين في إقليم تركتسان الشرقية ومنعهم من إقامة أبسط الشعائر الإسلامية مثل الصلاة والصوم في رمضان، بالإضافة إلى اعتقال الملايين منهم في معسكرات كبرى لإجبارهم تحتن التعذيب الجسدي على ترك دينهم واعتناق الإلحاد.
- الاستمرار بمعاملة الشعب الصيني بشكل عام بأقسى أشكال القمع والاضطهاد المعروفة تقليدياً في الدول الشيوعية الأمنية، مع إهمال احترام أبسط حقوق الإنسان التي ينص عليها القانون الدولي.
- انتهاك اتفاقية الحكم الذاتي في هونغ كونغ،حيث قامت باحتلال هذه المنطقة ذات الحكم الديمقراطي وتحويلها إلى الحكم الشيوعي الأمني المجرم.
- انتهاك الحكم الذاتي في منطقة التيبت وطرد زعيمها الدلاي لاما.
- التخطيط لاحتلال جزيرة تايوان والتي هي دولة ديمقراطية مستقلة، وتمثل آخر منطقة في الصين بقيت على نظام الحكم الوطني الأصلي قبل وصول العصابة الشيوعية المجرمة للحكم في بكين.
- الاشتباه الكبير بالعمل على نشر الصين فيروس كورونا الوبائي القاتل إلى العالم، وذلك من مختبر ووهان الوبائي في الصين، وربما تكون قد تسببت بذلك بوفاة عشرات الملايين من الأبرياء حول العالم، بالإضافة إلى رفضها للتعاون مع المحققين الدوليين حول ذلك، مما يشير إلى احتمال تورطها بشكل كبير.
الشيوعية الروسية المستترة بشعارات يمينية
بات من الواضح للغاية عودة خطر النفوذ الروسي السلبي على المستوى العالمي، ورغم اعتقاد البعض بأن النفوذ الروسي أمر محمود لموازنة القطب العالمي الغربي الأمريكي، إلا أنه اعتقاد خاطئ تماماً، وذلك لأن النفوذ الروسي يفوق في سلبيته وغطرسته النفوذ الأمريكي بمراحل رغم أنه لا يزال أضعف بكثير عسكرياً، حيث إن طبيعة تدخلات النفوذ الروسي سلبية للغاية وتهتم فقط بتحقيق مصالحها وعقيدتها الخاصة على حساب مصالح الشعوب المستضعفة، حيث لا تتورع روسيا عن ارتكاب أي جرائم كبرى ضد الإنسانية في سبيل ذلك، فهي تجرّب الأسلحة الجديدة على رؤوس المدنيين الأبرياء، وتدعم كبار الطغاة والمجرمين مثل الأسد والنظام الإيراني، وهذا مما يجعل ذلك الاعتقاد بالتوازن القطبي بائساً للغاية إن لم متواطئاً مع الجرائم الروسية.
وتنبع الشعارات الروسية الجديدة من حركات يمينية ومسيحية متطرفة، وكلها ترى أن بوتين هو البطل، بينما هي في الواقع تعمل أيضاً على تحقيق الخطة الشيوعية بشكل مستتر أكثر من طريقة الصين، فهي أيديولوجيا شيوعية بشعارات يمينية متطرف ومسيحية أرثوذكسية، وفي بعض الأحيان ليبرالية ديمقراطية، وذلك لتتوافق مع ثقافة الشعب الروسي وتحصل على دعمه.
الخطر الأيديولوجي الإيراني
فعلى الرغم من أنه يعتبر خطراً شعوبياً فارسياً متقنعاً بقناع التشيع المتشدد الرافضي، إلا أنه في الواقع ينبثق أيضاً من الأفكار الشيوعية الحديثة مثل الماركسية، وكذلك الشيوعية القديمة مثل المذهب المزدكي الشيوعي القديم في بلاد فارس، ولا شك أن هذا المذهب وهذه الأفكار لا تمثل غالبية الشعب الفارسي الأصيل، والذي عُرف بتطبيق العدل قبل الإسلام، وبدخوله في المذهب السني في الإسلام، وقد بقيت إيران ذات غالية سنية حتى جاءت الدولة الصفوية في القرن السادس عشر وغيرت غالبية سكان إيران إلى المذهب الشيعي بالإكراه والقتل والتعذيب.
وفي هذه الأيام وصل الخطر الإيراني إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة مع قرب امتلاك إيران للقنبلة الذرية التي يُتوقع أن تقوم بإلقائها – إذا امتلكتها – على دول المسلمين السنة وليس على إسرائيل كما تزعم في شعاراتها اللفظية، وذلك تطبيقاً للمعتقدات الشيعية الخرافية القائلة بوجوب إبادة المسلمين، ومن المعروف أن روسيا والصين الشيوعيتين هما من أكبر الدول دعماً لموقف إيران ومشروعها النووي في مجلس الأمن. كما إن لإيران أذرع أخطبوتية إجرامية في المنطقة العربية والخليج العربي واليمن، بالإضافة إلى بعض الدول الإفريقية والآسوية الأخرى، مما يجلعها خطراً شيوعياً جدياً على مستوى العالم.
النظام البعثي السوري
وهو نظام ماركسي الفكر ويتبع للخطر الشيوعي من عدة طرق، أولاً من حيث عقيدة حزب البعث، فهي تنبثق من الأفكار الماركسية مباشرة مثل الحزب الشيوعي، وثانياً من تحالف النظام السوري الوطيد مع روسيا والصين الشيوعيتين ودفاعهما المستميت عنه في مجلس الأمن، وثالثاً من الارتباط الحميم مع المشروع الإيراني في المنطقة، ولا شك أن بقاء هذا النظام هو أكبر خطر يمكن تصوره على مستقبل أمن المنطقة العربية والإقليم الشرق أوسطي بأسره، ويلحق به حزب الله اللبناني والذي أوشك على تحويل دولة لبنان إلى مثل حالة سوريا من الفقر والدمار الشاملين.
الدول الشيوعية في أمريكا اللاتينية
يحلو للكثيرين الاعتقاد بأنها دول جيدة وحليفة لأحلام الشعوب العربية بالتحرر، ولكن هذه مجرد أكاذيب وخرافات يُقصد بها الضحك على الذقون وخداع الجاهلين، فقد أثبتت هذه الدول أنها دول ديكتاتورية مجرمة تقتل وتعتقل شعوبها بكل الطرق الأمنية والقمعية كما في أي دول شيوعية أخرى، وأنه لا فائدة ترجى منها كما يعتقد الكثيرين في مواجهة الخطر الغربي الأمريكي، بل على العكس من ذلك، فهذه الدول أشد خطراً من الدول الغربية بمراحل، في مقابل أن الأمريكان والأوروبيين لديهم، على أقل تقدير، الحد الأدنى من الاحترام لأنفسهم ولحقوق الإنسان رغم بعض التجاوزات والانتهاكات هنا وهناك.
الأحزاب والحركات الإسلامية
وليس المقصود بالضرورة جميع هذه الحركات الإسلامية، ولكن خاصة منها حزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين وتنظميات الدولة الإسلامية وداعش وما إلى ذلك مثل جبهة النصرة والقاعدة والحوثيين والحشد الشعبي وداعش وبوكوحرام وطالبان وغيرها، حيث أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها أدوات بيد إيران وروسيا، وأنها أيضاً مخترقة فكرياً وقيادياً من قبل الأحزاب اليسارية والشيوعية، وقد انتشرت هذه الحركات انتشار النار في الهشيم في العقود التي تلت سقوط الاتحاد السوفياتي وانحسار المد الشيوعي، فعملت على ملء الفراغ شعبياً، ومن الواضح تماماً أنه من شبه المستحيل إقناع الجماهير بأن الحركات الإسلامية الحزبية باتت شكلاً من أشكال الخطر الشيوعي رغم أن هذه هي الحقيقة!
النظام الأردوغاني في تركيا
كان هذا النظام قد نجح ولسنوات طويلة في خداع كثير من الجماهير العربية وتخديرها تماماً، وخاصة منها أتباع الحركات الإسلامية، ولكن القناع قد سقط عنه عدة مرات في السنوات الأخيرة، فهو لا يتورع عن التحالف والتعاون الوطيد مع روسيا ومع إيران ويتواطأ مع جرائمهما في سوريا والعراق، بل ويمارس الجرائم بنفسه بحق الأكراد في العراق وسوريا، ولا شك أنه لا يزال يشكل أحد أكبر المشاريع الخطيرة في المنطقة والعالم العربي على الرغم من ضعفه وافتضاحه نسبياً في الفترة الأخيرة، إذ لا يزال بإمكانه نفض الغبار عن نفسه والعودة بشكل جديد كما تفعل الأنظمة الشيوعية عادةً.