تلخيص كتاب المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل ج1 العلاقات مع إسرائيل

في شهر ديسمبر في خاتمة العام المنصرم 2021، انتشر خبر حول كتاب “المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل” للباحثة السياسية الأكاديمية المصرية المتخصصة بالشؤون الإسرائيليية سارة شريف، وذلك بأنه قد تم عرض الكتاب في أحد معارض الكتاب في بغداد ثم تم منعه. هذا الخبر قد يكون للوهلة الأولى مثيراً وباعثاً على الاهتمام بمحتوى الكتاب. نعم فالقاعدة تقول بأن كل ممنوع مرغوب، وأنه إذا أردت إشهار شيء فعليك بالتحذير منه!

ولدى مطالعة الخبر حقاً يبدو فعلاً خبراً صحيحاً وليس مجرد إشاعة مفتعلة بهدف إشهار الكتاب، ويبدو إذاً أن ما حصل على الأرجح هو مجرد خطأ، حيث قد غفلت أعين الرقابة الإيرانية عنه في بغداد، بل وأخطأت أيضاً بالتشهير به! مما جعله فعلا يزداد شهرةً، وفي الواقع، يبدو على الأرجح أنه حُق له ذلك!

أهم أقسام كتاب المشروع الأسود

يتكون الفصل الأول من عدة أقسام تهدف بشكل عام إلى تلخيص التشابهات بين اليهود والشيعة في نواحي العقائد الدينية وكذلك النواحي القومية والعرقية، بالإضافة إلى مقارنات بين شكل وظروف قيام الدولتين الإسرائيلية والإيرانية ونسبة السكان والأقليات في كلٍ منهما، وما إلى ذلك من تفاصيل مشابهة. وإلى نهاية الفصل الأول من الكتاب لا يوجد شيء جديد تقريباً، حيث قد كُتبت سابقاً الكثير من المؤلفات قديماً وحديثاً في هذا الباب، إلا أنه يظل أمراً مهماً كتقديم، وذلك إذا كان القارئ غير مطلعٍ على تلك الدراسات أو المؤلفات، حيث تكمن أهميته في التمهيد للفصل الثاني والذي هو بيت القصيد في العلاقة السرية بين إيران وإسرائيل وطبيعة المشروع الأسود المشترك بينهما.

ثم تبدأ القسم الثاني بالحديث عن تاريخ العلاقة بين إسرائيل وإيران وتورد مقولة لإسحاق رابين، الزعيم الإسرائيلي الشهير، تفيد أن إيران لم تكن يوماً ما عدواً حقيقياً لإسرائيل، ثم تعرّج الكاتبة على حقيقة بسيطة ومهمة، وهي أن جميع شعوب الأرض كانت معادية تاريخياً لليهود إلا الشعب الفارسي. ثم تسهب ببعض التفاصيل عن العلاقات المبكرة والمعلنة بين إيران الشاه البهلوية وإسرائيل، وهذا لا يهمنا كثيراً لأنه لم يكن أمراً مجهولاً للناس، فقد كانت إيران الشاه تعادي العالم العربي وتصادق إسرائيل علناً، ولكن يتبقى السؤال هو كيف نثبت أن إيران الخمينية التي تتظاهر بمعاداة إسرائيل هي في السر صديقة حميمة لها؟

الثورة الخمينية وبداية المشروع الأسود

بعد انتهاء الثورة الخمينية في إيران سنة 1979 بدأت مرحلة جديدة من العلاقات السرية بين إسرائيل وإيران، مع إظهار عداء وهمي متبادل ومعلن بشدة، وهو ما اسمته الكاتبة بداية “المشروع الأسود”، وهنا يبدأ ما يهمنا من الكتاب، أو ما يعبر عنه فحوى عنوانه. فقد بدأت إيران بعد الثورة على الفور بطرد أعضاء السفارة الإسرائيلية وقطع كافة أشكال العلاقات التجارية والسياسية التي كانت علنية. ولكنها في نفس الوقت لم ترحب بعلاقات قوية مع ياسر عرفات والمنظمة الفلسطينية، بل وأغلقت مكاتبها في إيران. ثم بدأت نقطة الانطلاق وهي تصدير الثورة الخمينية إلى الشرق الأوسط، بدءاً من الاتصال بشيعة العراق. مما اضطر العراق بقيادة صدام آنذاك لخوض غمار حرب استباقية ضد إيران اسمرت ثمانية سنوات.

وفي ظروف الحصار القاسية على إيران خاصة من قبل أمريكا بسبب قضية الرهائن الدبلوماسيين، وجدت إسرائيل الفرصة مناسبة لفتح العلاقات مع إيران لمساعدتها ضد ما تعتبره إسرائيل “التهديد العراقي المشترك” والذي تمليه الطبيعة الجيوسياسية على الدولتين على حسب ما ذهبت له الكاتبة. وهكذا بدأت إسرائيل بدعم إيران بجسر من الأسلحة. وعند افتضاح الصفقة فيما عُرف باسم “إيران جيت” حاول الخميني التغطية عليها بالهجوم على منظمة التحرير لقبولها التفاوض مع إسرائيل! أما إسرائيل فقد كانت تفضل انتصار إيران على العراق وتشعر باليقين باستحالة أن تستخدم إيران هذه الأسلحة ضد إسرائيل يوماً ما، وتُوجت هذه العلاقة بقيام طائرات إسرائيلية بقصف المفاعل النووي العراقي فيما سمي بعملية “أوبرا” سنة 1981.

فترة رفسنجاني

ثم تبدأ الكاتبة بالحديث عن مرحلة حكم رفسنجاني، وعلى الرغم من سياسته المخادعة بالانفتاح على العالم العربي، فقد بقيت إيران على حالها في العلاقة الخفية مع إسرائيل، كما تضيف الكاتبة بأن إيران حرصت على محاولة إفشال كافة معاهدات ومحادثات السلام العربية الإسرائيلية، وذلك لأسباب كثيرة، منها أن هذا يسحب مبرر وجودها حيث تدعي إيران دعم وقيادة المقاومة، ومنها أيضاً، على حد قول الكاتبة، هي لضمان بقاء إسرائيل في علاقة جيدة معها، فقامت كذلك بدعم حماس وحركة الجهاد الإسلامي ضمن هذا السياق وبهدف عرقلة جهود عملية السلام.

لكن الكاتبة تشير بأن إسرائيل بدأت تخشى جدياً من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة بعد خروج العراق من الحلبة بعد طرده من الكويت، وتزامن ذلك مع بدء إعلان إيران عن مشروع مفاعلها النووي، ومع ذلك أوردت الكاتبة تأكيدات من مسؤولين إسرائيليين آخرين تفيد بعدم خشيتهم مطلقاً من إيران، وبعدم الجدية في السعي لضرب مفاعلها النووي مثل ما ضربت إسرائيل مفاعل العراق.

فترة خاتمي

في فترة حكم الرئيس الإيراني محمد خاتمي تحدثت الكاتبة عن شيء من تحسن علاقات إيران مع العالم العربي بزعم أنها أوقفت سياسة تصدير الثورة الإيرانية مما جعل العرب يرحبون بذلك، كما تحسنت أيضاً علاقاتها مع الدول الأوروبية ولكن برعاية إسرائيلية، كما تذكر الكاتبة أن نتنياهو يفضل العلاقة مع إيران التي تعلن العداء الظاهري على ياسر عرفات رغم سعيه للسلام، وذلك لأنه يسعى في النهاية لتدمير إسرائيل! فواصلت إيران العمل جاهدة على ضرب عملية السلام واتفاقية أوسلو. في حين كانت متعاونة جداً مع طلبات واحتياجات إسرائيل عقب عملية عناقيد الغضب التي نفذها حزب الله سنة 1996، وفي المقابل عملت إسرائيل على تحسين العلاقات الإيرانية مع أمريكا وكان رئيسها وقتذاك هو بيل كلينتون.

وتشير الكاتبة أيضاً إلى خشية إسرائيل من تعمق العلاقة الإيرانية الأمريكية أكثر من اللزوم، وأنه يجب أن تظل العلاقة الإيرانية مع أمريكا عن طريقها، ولذلك بدأت أحياناً بالتشويش على حملات العلاقات العامة الإيرانية داخل الولايات المتحدة، ثم تعتبر الكاتبة أن إسرائيل بدأت تشعر أحياناً بعداء حقيقي تجاه إيران بسبب سعيها وراء البرنامج النووي، ولكن من غير أن تغلق إسرائيل الباب تماماً في وجه إيران. وقد كان موقف إيران البارد من انتفاضة القدس غير متوقع من الجمهور العربي بعد المنزلة الإعلامية التي بلغها حزب الله بسبب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان سنة 2000.

وتعتقد الكاتبة أن إسرائيل هي المسؤولة عن توريط إيران بقضية السفينة “كارين إيه” لدفع بوش لتصنيفها في “محور الشر” من أجل أن تظل إيران بحاجة إلى إسرائيل لتحسين علاقاتها مع أمريكا. ثم تحدثت الكاتبة عن عودة العلاقات للتحسن مع إيران بسبب الرئيس الإسرائيلي ذي الأصل الإيراني “موشيه كاتساف”.

فترتي أحمدي نجاد وروحاني

أما في فترة رئاسة أحمدي نجاد سنة 2005، فترى الكاتبة أن العلاقات الحميمة السرية قد تواصلت برغم تصاعد حدة الهجوم اللفظي، على الرغم من أن نجاد قد عزز علاقات بلاده مع روسيا وغير من الدول اليسارية مثل فنزويلا، كما نجحت إيران بقطع أشواط كبيرة في البرنامج النووي والصواريخ بعيدة المدى، مما تسبب بزيادة العقوبات الدولية عليها وارتفاع حدة توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة، وذلك إلى درجة أوشك فيها الرئيس بوش الابن على إجراء ضربة عسكرية ضد إيران. كما تحدثت الكاتبة عن التدخل الإيراني في العراق واستخدامه مسرحاً للرد على التشدد الإمريكي معها، ثم تذكر الكاتبة العديد جداً من التصريحات والخطابات النارية لأحمدي نجاد ضد إسرائيل وضد المحرقة النازية، ولكن أكدت بأن السياسة الإيرانية العملية على أرض الواقع تجاه إسرائيل لا تتفق مع هذه التصريحات التي هي مجرد كلام ناري فارغ من المحتوى وبعيد كل البعد عن أي تطبيق عملي.

ثم يأتي الكلام للحديث عن مرحلة رئاسة حسن روحاني حتى سنة 2015، فلا يوجد شيء جديد، فالوضع يعود إلى ما يشبه فترة العلاقة مع خاتمي ورفسنجاني الإصلاحيين، أي أنه تخف حدة التراشقات اللفظية وتبقى العلاقات المشبوهة السرية من تحت الطاولة، ولكن من الجدير بالذكر أن الكاتبة أوردت لحسن روحاني نصوص للعديد من المقابلات مع شيمعون بيريز وهو متخفي على أنه موفد أمريكي، ويصارحه بكثير من الأمور والأسرار عن حكومة بلاده وما إلى ذلك من تصريحات تبدو أقرب إلى الخيانة العظمى، ولا تذكر الكاتبة أي تفسير لهذه المقابلات.

النتيجة والخلاصة

لا يمكن عادةً في مثل هذا النوع الأكاديمي من الأبحاث الجزم بنوع من أنواع العلاقات السرية التي تُصنف عادة ضمن نظريات المؤامرة، فرغم يقين الكثير من الباحثين بأن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية هي أعمق مما تم استعراضه بشكل كبير، لكن تظل المسرحيات والتجاذبات ذات أثر كبير في زيادة صعوبة إقناع الجمهور بالحقائق المخفية، بالإضافة إلى احتمال حقيقي لوقوع بعض التنافسات والصراعات بين الطرفين من حين لآخر رغم التعاون الخفي الكبير، ويبقى الكتاب مهماً في بابه باعتباره كتاباً أكاديمياً موثقاً بشكل علمي جيد.

زاهر طلب
باحث وكاتب
1/1/2022

لتحميل الكتاب من هذا الرابط:
Noor-Book.com المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل سارة شريف 2

 

تلخيص كتاب المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل ج1 العلاقات مع إسرائيل
تمرير للأعلى