اليهود وحقيقة القول عن سيطرتهم على العالم

من الشائع لدى الكثيرين إطلاق القول بأن اليهود يسيطرون على العالم، هكذا ببساطة من غير إجراء أبحاث علمية دقيقة وواسعة للتأكد من هذه النظرية. في المقابل يقوم الكثيرون أيضاً برفضها جملة وتفصيلاً، على الرغم من وجود رصيد كبير لها من الصحة، لكن في الواقع يظل الأمر معقداً، ﻷنه بالفعل هو موضوع كبير في حجمه للغاية، ويتصل بقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى، وفي بقعة جغرافية كبيرة من العالم، وعلى مدى زمني كبير يصل إلى قرنين من الزمن وأكثر.

ضرورة الدقة في الادعاءات العلمية

من المعروف أن الأبحاث لكي تكون علمية ودقيقة يفترض بأن تكون محددة في سؤالها البحثي، كي يمكن أن تكون قابلة للإدارة واﻹجراء بشكل علمي ودقيق، ومثل هذه الفرضية الكبيرة يصعب التحقق منها والبحث فيها بشكلها الواسع للغاية، ولكن يحتج أصحاب هذه الفكرة بأن اليهود هم الذين عملوا على تقسيم العلم إلى تخصصات، وهم الذي وضعوا هذا الشرط بأن يكون البحث العلمي محدداً لمنع رؤية الصورة الكاملة.

إلا أنه عملياً ينقص هذه الفكرة ذاتها الأدلة العلمية، ومع احتمال أن تكون فعلاً صحيحة، إلا أنه لا يجوز البناء على الافتراضات وكأنها مسلمات، فهناك بالفعل حاجة حقيقية لإجراء بحوث مطولة للغاية وعابرة للتخصصات للوقوف على حجم السيطرة اليهودية الحقيقي على القرار في العالم، وأشكال هذه السيطرة ومدى قوتها وحدودها وما إلى ذلك من معايير قوة ونفوذ يمكن قياسها معرفة مدى حجمها بشكل علمي دقيق، ولا يمكن الاكتفاء بأبحاث سطحية وغير علمية.

تتبع العائلات اليهودية أو الارتباط مع الماسونية

بعضهم يبدأ حديثه عن أصول يهودية لكثير من أصحاب المناصب والنفوذ في العالم الغربي، وآخرين يتحدثون عن عضويتهم بالمحافل الماسونية الكبرى، أو عن أنساب بعض العائلات الأوروبية والشرقية. وأياً يكن الأمر، فإن مثل هذا النوع من المعلومات الشائك يظل عرضة للصواب والخطأ، كما أنه معرض لسوء التفسير والفهم. ففي الواقع ليس بالضرورة أن كل تغلغل يهودي في عائلة أو مجتمع معين أن يكون يهودياً فعلاً، فأحيانا هناك منهم من يدخل في الإسلام أو المسحية نفاقا ومنهم من يدخلهما حقاً، واﻷمر يحتاج الامر الى دراسات أعمق وأدق بكثير من مجرد الكلام الذي كان شائعاً في الكتب قبل ظهور الانفجار المعرفي على الإنترنت.

الذي أعنيه هو أنه ليس بمجرد ثبوت قطعي ليهودية أحدهم (ويجب أن يكون اﻹثبات قطعي لكثرة انتشار الاتهام الكاذب في هذا الباب) أن يكون الشخص بالضرورة منفذا للأجندة اليهودية، والسبب هو فعلاً وجود نماذج وأمثلة كثيرة تعمل على خدمة الإنسانية وحتى أحيانا اﻹسلام، مثل شخصية اﻷمير تشالرز البريطاني الذي كثيراً ما يتم اتهامه بأنه ماسوني ويهودي الخ، بينما هو على اﻷقل لا يحارب اﻹسلام.

كما أن هناك العديد من النماذج من اليهود الذين خدموا اﻹنسانية خدمات عظيمة مثل آينشتاين الذي رفض مشروع الدولة الصهيونية، والطبيب اليهودي جوناس سولك مخترع لقاح شلل اﻷطفال والذي رفض تسجيله بشكل تجاري وضحّى بفرصة لكسب المليارات ليكون توزيع اللقاح مجاني، وهي حوادث متفرقة يقوم باستغلالها اليهود وأمثال المسيري للزعم بأنه كل اليهود جيدين!

ما هي الأجندة اليهودية؟

لكن ما هي اﻷجندة اليهودية بالضبط؟ هنا يجب أن نفرق بين اﻷجندة الدنيوية والشيطانية التي تهدف لصد الناس عن دين الإسلام واﻹيمان باليوم الآخر وإلهائهم بمتع الحياة الدنيا الخ، كما هو حال معظم شعوب اﻷرض، وحتى حال كثير من المسلمين. فهذه أجندة الشيطان المعروفة والتي قد لا تشكل بالضرورة نفس الخطورة اﻷكبر الذي تشكله اﻷجندة اليهودية، وهنا كثيراً ما يحصل الخلط، فكثير من التغلغل اليهودي في العالم الغربي خاصةً لا ينجح في تمرير أجندات يهودية عنصرية تشكل خطراً وجودياً على الشعوب غير اليهودية، ولكن بدلاً من ذلك تصب بطبيعة الحال في اﻷجندة الشيطانية، بل وحتى أحياناً تصب في مصلحة حقوق الإنسان وحرية الأديان التي تخدم مصلحة الإسلام ﻷنه الدين الحق الوحيد، وهذا ما ساهم بالتبشير به بعض من الماسونيين، ولم يكونوا الوحيدين طبعاً.

إلا أن الواقع معقد، فهو يقع بين نظرية إنكار الاختراق اليهودي تماماً ونظرية المؤامرة الشاملة التي تعتقد بالسيطرة اليهودية المطلقة على العالم، هذا التفريق مهم جدا، لأنه تتواجد العديد جدا من الاتهامات التي يصعب التصديقب وجودها، مثل القول بأن معظم الحكام العرب أصلهم يهودي، فبالرغم من مساوئ عامتهم او بعضهم إلا أنهم أفضل بكثير من جمال عبد الناصر الاشتراكي مثلاً الذي ثبت أنه يهودي بالنسب وباﻷفعال واﻷجندة. لا ننسى أيضا أن جميع الحكام العالم الجيدين أيضا لا يسلمون من مثل هكذا اتهامات، ومنهم حتى الذين يسالمون الإسلام والمسلمين، فيه حين يتم إغفال الاتهام للحكام اليهود الخطرين حقاً في أجندتهم مثل طغاة روسيا والصين وإيران الدمويين وأمثالهم، هؤلاء الذي هم فعلاً يجوّعون ويقتلون شعوبهم، ولديهم في نفس الوقت خطط إعلامية تجعل العالم ينشغل عن خطرهم.

كل ذلك مع عدم إغفال إمكانية أن يؤثر الوجود اليهودي في العالم الغربي في بعض من اﻷحيان على السياسات العالمية لصالح دعم الشيوعية والصهيونية، وهذا المستوى من التأثير يجب قياس حجمه بدقة، فهو لا يعني سيطرة تامة، فالاعتقاد بالسيطرة اليهودية الكاملة والتامة هو بحد ذاته فكرة أخطر من تحققها، فهي تجعل الناس تصاب باليأس والخوف والقعود عن العمل.

الشيوعية والصهيونية هي اﻷجندة اليهودية الخطرة

بهذه المناسبة لا بدّ من التعرف باﻷستاذ والمفكر أبو اﻷمين محمود عبد الرؤوف القاسم رحمه الله الذي كان مختصاً بدقائق خطر التغلغل اليهودي وحقيقته، فقد كان يصرّ على تجاهل الكلام الشائع حول الماسونية واليهودية الغربية، ويركز أكثر على أن الخطر اليهودي الفعلي يتمثل باﻷجندة الشيوعية وكذلك اﻷجندة الصهيونية متمثلة بإسرائيل فقط من دون أمريكا والعالم الغربي، وكان يصرّ على أن الشيوعية لم تسقط بانهيار السوفياتي مثل ما أن الإسلام لم ينتهِ بانهيار الخلافة العثمانية.

وبالفعل نجد اليوم أن خطر روسيا يعود بقوة بقناع رأسمالي وكذلك خطر الصين مع أيديولوجيا شيوعية معلنة، فهؤلاء هم الخطر الفعلي، أما التغلغل اليهودي في دول العالم الغربي فهو حقيقي وموجود ولكنه محدود اﻷثر، وهو واقع تحت سيطرة الدولة ووعي الشعوب إلى حد كبير، بسبب أن طبيعة اﻷنظمة السياسية الغربية هي ناضجة ومحكمة اﻹتقان.

طبعا تظل قضية دعم الغرب ﻹسرائيل لها أسباب مسيحية أخرى إضافة للتأثير اليهود، وتحتاج إلى موضوع آخر بالتفصيل.

زاهر طلب 30/8/2021

كاتب محتوى وباحث

الخلاصة

1- مسألة سيطرة اليهود العالم اليوم هي حقيقة لكن ليس بالمعنى المطلق، بل نسبياً لقوله تعالى: “ولتعلنّ علوا كبيرا” وهذا هو أحد الافسادين… إذ لو كانت سيطرتهم بالمطلق لفرضوا سيطرتهم واستعبدوا العالم برمته ونهبوا ثرواته. لكن تدافع الناس والأمم بعضهم ببعض حال دون السيطرة المطلقة. مع العلم أن سيطرة اليهود المطلقة قد تحصل لكنها لن تطول زمنياً، ولعلها تكون في زمن خروج شخص الدجال.

٢- القطع بيهودية شخص مّا ليس هو الهدف الأكبر، بل الهدف الأكبر هو التحقق من أن الشخص اليهودي الفلاني المقطوع بيهويته أو المشكوك فيها يُحقق لليهود المتطرفين أجندتهم الهادفة لاستعباد العالم ومسخ أفكاره. ومن الدقّة إن استطعنا أن نفرق بين من يقوم منهم بذلك قصداً أم عن غير قصد.

عدنان الصوص

Scroll to Top