بات فريق المتفائلين مؤخراً أكبر بكثير من المتشائمين بخصوص القضية السورية وإيجاد حل لها، وهنا توجد تصورات واقعية لسيناريو محتمل لسقوط نظام الأسد، مما يساعد على التفائل عملياً، وسيناريوهات أخرى مفترضة يتخيلها العقل أنها قد تحدث، وليست سيناريوهات تخطط لها الثورة، والهدف منها هو الإجابة على سؤال: كيف من الممكن أن يسقط النظام؟ إلا أنه لا يوجد هنا سيناريو مثالي مثل ما حصل في ليبيا بحيث وصل الثوار إلى مكان وكر القذافي وأسقطوه، إن مثل هذا السيناريو غير وارد في سوريا بسبب الحماية الإيرانية والروسية والأمنية الشديدة والتحصن الشديد.
سيناريو العمليات التفجيرية
هو من السيناريوهات المفترضة، بالقيام العمليات الانتحارية ضد شخصيات كبرى أو مقرات مراكز الأمن، والتي أجبرت الأمريكان من العراق وأفغانستان، فهي أيضاً غير واردة، بسبب وجود اختراق فكري وإداري من قبل النظام في المعارضة السورية، فقد قام النظام بتشكيل قواعد الاشتباك، وكذلك بمساعدة غير مباشرة من جماعات الإسلام السياسي عبر قطر وتركيا، وبذلك حمى النظام نفسه من عمليات انتحارية كان من الممكن أن تقضي عليه. ويظل التساؤل مشروعاً، بأنه أين المفخخات التي كان مثلها يطرد الأمريكيين في الصومال والعراق وغيرها؟ لكن للأسف لا يتم تنفيذ مثل هذه العمليات إلا ضد الغرب، وذلك بتعليمات من إيران، وهذه قواعد الاشتباك السياسي والعسكري التي اخترق بها النظام المعارضة وتنظيم داعش، فهو لا يعادي روسيا ولا الأسد، ولا ايران.
لقد استبشرنا بتفجير خلية الأزمة في بدايات الثورة، ولكن لم نستغرب عندما عرفنا أنها من عمل النظام، لأن الثورة السورية محرومة من الاستفادة من مثل هذه العمليات، ولو كان هذا السيناريو يعمل، لكانت إيران انسحبت بسهولة نسبياً، وذلك عندما يتم استهداف مقرات مليشياتها وقيادتها. بل حتى روسيا كان يمكن لها أن ترحل هي الأخرى لو كان يحصل مثل ذلك، مما يؤدي في النهاية لرحيل النظام، خاصة بعد استهداف مقراته الأمنية هو أيضاً، ولكن يبدو أن الثورة السورية مُنعت من الاستفادة من ذلك نتيجة أن قواعد الاشتباك تم تمريرها من النظام، حيث كان فيها إلغاء لفكر العمليات التفجيرية مع التنسيق مع جماعات الإسلام المسيس.
سيناريو التدخل العسكري الخارجي
بقي سيناريو التدخل العسكري الخارجي، وقد حُرمت منه أيضاً الثورة السورية، فللأسف كان معظم ممثلي الثورة من المعارضة يصرون على رفض التدخل العسكري الخارجي، رغم أن النظام يقتل ويدمر ويقصف المدن، كان المداخلون في الإعلام على ألسنتهم رفض التدخل الأجنبي! إذاً ما السيناريو البديل؟ أنت ماذا تريد بالضبط؟ يبدو أنه تم تلقينه هذا الكلام بطريقة الإيحاء غير المباشر، إذ لا يبدو أن أحداً قد جلس مع النظام بشكل مباشر، وأذكر أنني كنت مرة في مؤتمر فيه كثير من الطاولات والحضور من المعارضة السياسية السورية، وكانت القنوات الفضائية والصحفيين بانتظار تعليقات ومداخلات من الحضور، وإذا بشخص يبدو ذا توجه مشبوه، يقوم بالطواف على جميع الطاولات قائلاً لهم: “يا شباب لا نريد تدخل أجنبي، تذكروا ذلك!”.
وهذا الأمر يبدو مثل السيناريو العراقي ولكن مقلوباً، الظالم استدعى التدخل الأجنبي ضد المظلوم، الآن المظلوم لماذا غير مسموح له ياستدعاء تدخل أجنبي ضد الظالم! وكان مراسل قناة العربية كان موجوداً في طاولة قربي، وقد شد انتباهه مناقشتي مع الشخص الذي يطوف على الطاولات، فقرر المراسل إعطائي الأولوية في المداخلة على قناة العربية، وهذا مثال يدل على أن قيادات الثورة السياسية قد صممت على قواعد لعبة سياسية بحيث يفرضون على الثورة فكرة رفض التدخل الخارجي! وقد تكرر مثل ذلك معي ومع آخرين في ملتقيات عديدة، فهناك دوماً من يطوف على المعارضة السورية ليعبئها بفكرة رفض التدخل الأجنبي! وهنا مرة أخرى كان هناك سيناريو آخر فعال في إسقاط النظام، ولكن تم استبعاده للأسف تماماً من الثورة السورية، فلم يعد يوجد تدخل عسكري خارجي بحيث يمكن إسقاط النظام.
سيناريو دعم الجيش الحر
السيناريو الثالث كان هو دعم الدول الصديقة لقوات الجيش الحر، بهدف الوصول إلى قصر رأس النظام وتطويقه، وكذلك فروع أمن النظام ووزاراته وإسقاطها، ويعتبر الجيش الحر وفصائله هو الممثل العسكري الشرعي الوحيد عن الثورة السورية، وكل من يدعي من خارجه أنه قاتل النظام أو مثّل أو مَسْرح على أساس أنه يقاتل النظام لكن ليس تحت راية الثورة السورية ومبادئها فهو غير شرعي ومتآمر وضمن مخططات النظام على الثورة السورية والجيش الحر، فقد علم النظام أن بقاء واستمرار وجود الجيش الحر ممثلاُ عسكرياً للثورة السورية ستؤدي لنهاية النظام عاجلا أم آجلا، فهو جيش قد خرج حقاً من رحم الثورة والشعب السوري، وهذا الجيش الحر كان يفترض أن يتلقى الدعم من أصدقاء الشعب السوري لإسقاط النظام عسكرياً.
هذا السيناريو أيضاً تم حرمان الثورة السورية منه، ويشمل ذلك تسليط جبهة النصرة بقيادة الجولاني وكذلك داعش ضد فصائل الجيش الحر، ليتم ابتلاعها والقضاء عليها، فتم بذلك تقويض شرعية الجيش الحر على أرض الواقع عبر سيطرة جماعة الرايات السوداء على الأرض المحررة، وذهبت بقايا الجيش الحر إلى مسمى آخر، وانتهى بذلك الجيش الحر الذي نعرفه، وهؤلاء البقايا أصبحوا لا يمثلون الجيش الحر وغير مخولين بإسقاط النظا، حيث وسُحبت من أيديهم هذه الورقة، ولم يعد هناك فعلياً جيش حر من اختصاصه أو مسموح له العمل على إسقاط النظام، وهنا نتساءل من الذي احتوى الجيش الحر بعد سيطرة عصابة الجولاني؟ من الذي وضع عليه قادة فاسدين يسلّمون البلدات للنظام ويتركون محاربته ويدعون الجيش الحر للمحاربة في الخارج! إن هذا تغيير واضح وكبير في قواعد الاشتباك، فمن المسؤول عن ذلك؟
السيناريو المطبق فعلياً
لذلك أخيرا، بقي السيناريو الوحيد المفترض والواقعي لإسقاط النظام، وهو ما يحدث الآن ومنذ سنوات، عبر ضغوط أمريكية مستمرة على النظام وحلفائه، وضغوط على إيران أيضا بطرق محددة، مثل العقوبات الاقتصادية المتحرجة والضربات العسكرية الإسرائيلية وعزل إيران سياسياً، وممارسة ضغوطات أخرى مستمرة على روسيا لتحقيق حل سياسي في سوريا، ورفض مسار أستانا الروسي، والإصرار على مسار جنيف الأممي، وترك روسيا تغرق بقدر ما تشاء في المستنقع السوري لأنها في النهاية ستستسلم، أما الضغوط المطبقة على النظام فهي حصار اقتصادي وعزل سياسي، ومحاولة تحريك الثورات في الداخل ضده، هذا هو بالضبط سيناريو رحيل الأسد المطبق فعلياً.
وتحاول أمريكا جعل الرأس الروسي هو الذي يضغط على النظام كي يرحل، لذلك إذا رأينا في وقت ما أن الروس أصبحوا يحوّلون موقفهم واضطروا للبحث عن بديل عن الأسد، وأن صحف روسيا تنشر الفضائح ضد الأسد وتتحدث عن فشله، فهي ضغوط أمريكية على روسيا ترجمت إلى ضغوط روسية على الأسد ليذهب إلى الحل السياسي، وبالفعل في عدة مفاصل كانت قد أوشكت روسيا أو ألمحت لرفع يدها عن النظام، فما الذي يعيدهم دوماً لدعم النظام؟ وبالرغم من واقعية التصور باستحالة أن ترفع روسيا يدها يوماً ما عن النظام، ولكنها يبدو أنها تحاول ابتزازه ماليا واقتصاديا إلى أقصى درجة ممكنة قبل فعل ذلك، لكن الأموال في النهاية سوف تنفذ، وسيكون انهيار الليرة السورية هو انهيار نظام الأسد، روسيا ستضطر لإجبار النظام على الرحيل ليكون لها حصة في مستقبل سوريا.
أبو المجد ناصر
محرر موقع شبكة حقيقة الإعلامية المتخصص بأخبار وتحليلات حول الثورة السورية