قصة الإبادة الشيشانية على يد الشيوعية الروسية سنة 1944

كانت طفلة شيشانية ذات أحد عشر ربيعًا تقطع الخشب في حديقة منزلها عندما رآها أحد الجنود الشيوعيين، فقال لها لا تأخذي المزيد من هذا الحطب؛ فسوف تغادرون جميعا! ثم في صباح اليوم التالي، قام الجيش السوفياتي بجمع كل سكان القرية في الساحة لترحيلهم جميعًا إلى كازاخستان في شاحنات المواشي بلا أدنى شروط الحياة الإنسانية اللائقة، بهذه الطريقة عانى الشعب الشيشاني المسلم من تهجير طويل الأمد من وطنه التاريخي بأوامر ستالين وبيريا، وقد كانت هذه قصة والدة يوني أوسبانوف عندما كانت طفلة عام 1944، وهي مواطنة شيشانية ناجية من حادثة التهجير.

أُطلق على هذه العملية السرية اسم “عملية العدس”، وكانت في إطار من التهجير والإبادة الوحشية ضد الشعب الشيشاني والإنغوش. وقد جمع لافرينتي بيريا رئيس المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية NKVD، وهي مؤسسة سوفيتية جمعت بين أنشطتي الشرطة والشرطة السرية عملت على تنفيذ المباشر للإرادة السياسية السوفيتية بما في ذلك القمع السياسي خلال عهد جوزيف ستالين، جمع نحو 150 ألف جندي لتنفيذها، وهو ما اعتبر نوعًا من الإبادة الجماعية وفقًا للاتحاد الأوروبي. يتذكر المواطن الشيشاني أودي تسوغاييف، 92 عامًا، أنه سار 40 كيلومترًا من منطقته خوي إلى منطقة خراشوي برفقة هؤلاء الجنود الأشرار. ولأنه لم يستطع الجميع الاستمرار في ذلك، فقد مات الكثير منهم من الجوع والأمراض ونقص المياه، وكانت إحدى أكثر القصص إيلامًا لرجل عجوز لم يعد يستطيع المشي من شدة التعب والجوع، وعندما وصلوا إلى بعض المنحدرات، أعطاه أحدهم قطعة خبز، وبعد أن سار أكثر قليلاً، قتله جندي شيوعي وألقاه على المنحدرات، هكذا يتذكر تسوغاييف مثل هذه المشاهد الحيوانية الوحشية التي لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة.

في هذا المقال سنتجنب تحليل المقاربات الاتهامية المكذوبة التي نسبها نظام ستالين إلى الشعب الشيشاني من عمالة للنازيين وما شابه، والتي لم يتم إثباتها، بل هي نتيجة للآثار المأساوية لتطبيق الشيوعية وتقديس ستالين، فوق كل الصعوبات وتكرار عملية إعادة التأهيل لضحايا الاضطهاد السياسي لشعوب بأكملها بما في ذلك الشعب الشيشاني. إن مثل هذه الاتهامات مرفوضة، كما أن ستمنع التغلب على “الماضي المؤلم” الذي طُبع في الذاكرة الوطنية التاريخية للشعب الشيشاني والإنغوش.

لقد كان ترحيل الشيشان والإنغوش سنة 1944 والذي يشار إليه أيضًا باسم “أرداخ”، هو النقل السوفييتي القسري لسكان الفيناخ (الشيشان والإنغوش) بالكامل من شمال القوقاز إلى آسيا الوسطى إبان الحرب العالمية الثانية والأحداث الكثيرة المرافقة لها، فقد أمر رئيس NKVD لافرينتي بيريا بالعملية، وبمجرد وصول موافقة رئيس الوزراء السوفيتي يوسيف فيساريونوفيتش دجوغاشفيلي عليها كمنطقة ضمن برنامج التوطين القسري السوفيتي، بدأ نقل السكان، وهو الحدث الذي حطم حياة العديد من ملايين سكان العرقيات غير الروسية في روسيا بين الثلاثينيات وحتى الخمسينيات من القرن الماضي.

كانت خطة الترحيل جاهزة من عام 1943 على الأقل، مما يشير على بطلان التهم المزعومة، وأنها مجرد مزاعم لتنفيذ خطة موضوعة مسبقًا، وبالإضافة إلى ذلك، شاركت قوات NKVD من كل مكان خلال هذه العملية، وقد شمل الترحيل الشعوب ودولهم بأكملها، بالإضافة إلى إلغاء جمهورية الشيشان الإنجوشية المتمتعة بالحكم الذاتي، وكانت النتائج الديموغرافية لهذا التهجير قاسية بشدة على الحاضر والمستقبل، ففي المحفوظات السوفيتية تشير المصادر الشيشانية إلى أن عدد المهجرين قد بلغ 650 ألفًا، وقد توفي ما لا يقل عن ربعهم، أو ما مجموعه أكثر من 100 ألف شخص قتلوا أو ماتوا خلال عمليات الاعتقال والنقل. وطوال سنواتهم الأولى بقي يعيش الشيشان في المنفى داخل كازاخستان وقيرغيزستان الاشتراكية السوفياتية، كما تم إرسالهم إلى العديد من معسكرات العمل القسري داخل المستوطنات الاشتراكية. ومع ذلك تشير المصادر الشيشانية إلى أن أربعمائة ألف هو عدد الذين قد لقوا حتفهم، على افتراض أن مجموعة هائلة من المرحلين كانوا تحت الإشراف التنفيذي لضباط NKVD طوال ذلك الوقت.

استمرت مدة النفي حوالي ثلاثة عشر عامًا، وبالتالي فإن الناجين لم يعودوا إلى أراضيهم الأصلية حتى سنة 1957، عندما بدأ السلطات السوفيتية الجديدة تحت خروتشوف إلغاء بعض من سياسات ستالين، وكذلك إعادة من بقي حيًا الشعوب إلى بلادهم. وأشار تقرير عن الحي إلى أن حوالي 432،000 قد عادوا إلى جمهورية الشيشان الإنغوش بحلول عام 1961، لكنهم واجهوا عدة عقبات أثناء محاولة العودة إلى القوقاز، فبالإضافة إلى انهيار الدولة، كان هناك نقص في أماكن الإقامة، ناهيك عن الاشتباكات العرقية مع السكان الروس الجدد، قم في النهاية تعافى الشيشان والإنجوش نسبيًا واستعادوا وضعهم كأكثرية من السكان. ولكن ترك هذا التهجير الوحشي ندبة دائمة في ذاكرة الناجين وذريتهم، إذ يتم الاحتفال سنويا في الثالث والعشرون من شباط باليوم العالمي للشيشان على أنه يوم من أيام المأساة من قبل معظم الإنغوش والشيشان. بالإضافة إلى ذلك ، فإن العديد من سكان جوار هذه المنطقة الجغرافية يصنفونها على أنها إبادة جماعية متعمدة، كما فعل برلمان الاتحاد الأوروبي في عام 2004.

إن القول بأن تاريخ العلاقات بين روسيا والمنطقة الجغرافية في القوقاز على أنها منطقة متصلة أو صنعها الجانبان هو في جوهره واحد في كل نزاع: الغزو الاستعماري، والحكم الإمبراطوري، وثم الوحشية الشيوعية السوفيتية. وهكذا تم تهجير كل سكان الشيشان والإنجوش بأمر من الشيوعية الستالينية في عام 1944، توفي مئات الآلاف، ودُمرت الحياة الشيشانية الإنجوشية عن بكرة أبيها، على الرغم من أنه قد سمح لهم بالعودة، إلا أن ذلك ترك أثراً عميقاً لا يُمحى في الذاكرة الإنسانية، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ظهرت المزيد من الوثائق والأسرار التي أصبحت معروفة جيدا عن وحشية الشيوعية.

زاهر طلب
كاتب وباحث
12/12/2020

المصادر:
1- ترحيل الشيشان والإنجوش ar.wikipedia.org.

2- After 73 years, the memory of Stalin’s deportation of Chechens and Ingush still haunts the survivors oc-media.org.

3- Massacres of Civilians in Chechnya. sciencespo.fr.

 

Scroll to Top