ما هو سد النهضة؟
سد النهضة في أثيوبيا، ويسمى أيضاً بسد الألفية الكبير، هو سد ضخم جدًا يقع على النيل الأزرق، والنيل الأزرق هو الرافد الرئيس لنهر النيل في مصر والسودان إضافة إلى النيل الأبيض، وهذا السد يقع قريبًا من حدود أثيوبيا مع السودان على بعد بضع عشرات من الكيلومترات، وهو أحد أكبر السدود في إنتاج الكهرباء على مستوى العالم وقارة إفريقيا، وبتكلفة تصل إلى خمسة مليارات دولار، حيث إن دولة أثيبوبيا تعاني من نقص حاد في الكهرباء وشعبها بحاجة للتنمية، إلا أن السد سيؤثر بشكل كبير وخطير على حصة مصر السنوية من نهر النيل، وذلك رغم أنها بالأساس غير كافية.
توجد اتفاقات دولية بين مصر والسودان وباقي دول حوض النيل حول حصة كل دولة، إلا أن البعض يشكك بكون أثيوبيا قد وقعت على كافة هذه الاتفاقيات مثل السودان، ومع ذلك فإن أحد أقدم الاتفاقيات الدولة سنة 1902 قد عقدت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بتوقيع بريطانيا نيابة عن الثلاثة دول مصر والسودان وإثيوبيا، والتي تنص على منع إقامة مشروعات على أي روافد للنيل، ثم حصلت اتفاقات أخرى كانت فرنسا طرفًا فيها تقر حصة مصر من النيل مع إعطائها الحق بالاعتراض على أي مشروعات جديدة، وفي سنة 1959 وقع كل من مصر والسودان اتفاقية لتقاسم المياه، لكن أثيوبيا لم تكن طرفًا فيها.
خطر سد النهضة الأثيوبي على مصر
تعترض مصر الواقعة على مصب النيل على إقامة السد الأثيوبي، حيث تعتقد أنه من المؤكد أنه سيعمل على إنقاص حصتها السنوية من المياه والتي هي بالأصل لا تكفي، وتضطر مصر لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي لسقاية ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية، فكيف يكون الأمر بعد إقامة سد النهضة؟ لكن أثيوبيا تدعي أن دراساتها حول السد تشير أنه لن يقلل نصيب مصر ويعمل على تنظيم تدفق المياه ويساعد على التعاون.
ولا تقتصر الأخطار على مصر في هذه الناحية، حيث توجد شكوك باحتمال تعاون إسرائيلي مع أثيوبيا، أو رغبة إسرائيلية بإقامة هذا السد بهدف الضغط على مصر، أو حتى وفقًا للبعض، بأن يكون هذا السد هو مشروع لتجميع كمية ضخمة من المياه في خزان السد، ومن ثم تفجير أو انهيار السد بشكل مفاجئ، مما يؤدي إلى غرق وفيضان هائل وسريع على خط حوض النيل، مؤديًا إلى دمار هائل وشامل للسودان ومصر، حيث تقع غالبية المدن والقرى المصرية أي حوالي أكثر من 90% من سكان مصر على ضفاف هذا النهر، وفي حالة وقوع مثل هكذا كارثة، ستكون الأكبر من نوعها في التاريخ مؤدية إلى نهاية سبعة لآلاف سنة من الحضارة المصرية ومقتل ما يزيد على عشرات الملايين من الأبرياء، إذن فهي قضية أمن قومي مصري بامتياز.
تأثير السد على السودان ومصر
لا يمكن معرفة تأثير السد بشكل دقيق، لكن الدراسات تشير إلى أنه غالبًا ما سوف يخفض من كمية وحصة مصر من تدفق النيل سنويًا، وخاصة في فترة ملء الخزان، مع استمرار الانخفاض بسبب التبخر من سطح الخزان، ويعتبر حجم خزان سد النهضة معادلًا لحجم التدفق السنوي للنيل على الحدود السودانية مع مصر، وتبلغ تقديرات الخسارة إلى حوالي ما بين 10 إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا، والتي ستؤدي لخسارة أكثر من مليوني فلاح مصري مصدر رزقهم في فترة ملء السد، كما أنه سيؤثر على كفاءة وفعالية توليد الطاقة الكهربائية في السد العالي المصري في أسوان بنسة تصل إلى 40%، وكذلك إلى انخفاض مستمر في منسوب خزان السد العالي أو ما يمسى بحيرة ناصر، إذ سيتم تخزين الفيضانات السنوية في أثيوبيا، كما أن السد سيحتفظ بالترسبات والطمي، مما سيقلل من خصوبة الأراضي المصرية في الدلتا، كما يرفع من ملوحتها نتيجة نقصان قوة تدفقه مما سيعجل مياه البحر الأبيض تتسرب تحت المياه الجوفية فيها، أما تأثيره على السودان فهو قليل جدًا، ولهذا هي تميل لعدم الاعتراض عليه.
تفاعلات القضية
إن مخاوف الدولة المصرية حقيقية وجادة حيال الأمر، ففي البداية طلبت الفحص والتفتيش والاطلاع على تصميم ودراسات السد، لكن أثيوبيا ترفض هذه الطلبات حتى تتنازل مصر عن حق الفيتو في توزيع مياه النيل، وهذل مما يعزز من المخاوف، ثم حصل لقاء ثلاثي بين مصر والسودان وأثيوبيا في 2012، كان الرئيس السوداني يؤيد بناء السد، حيث إن السد لا يضر كثيرًا بالمصالح السودانية، ثم أنشأت الثلاث دول لجنة دولية لدراسة وتقديم تقارير حول السد، وهي مكونة من لفيف من الخبراء الدوليين في المجالات المائية وهندسة السدود والطاقة الكهرمائية، وفي النهاية لم يتم عرض النتائج بشكل علني، واكتفت أثيوبيا بالثناء على فوائده، أما مصر فقالت أن التقارير أوصت بتعديل حجمه. وفي سنة 2015 وقع الرئيس السيسسي اتفاقًا ثلاثيًا على وثيقة مبادئ سد النهضة، حيث احتوت على العديد من التفاصيل والمبادئ والآليات للتعاون والتنسيق حول السد.
وفي سنة 2017 قامت فرنسا بإجراء دراسات فنية للسد حسب الاتفاقات، ولكن مكتب الدراسات الفرنسي قال بأن الملعومات المقدمة من أثيوبيا غير كاملة، وطلبوا أخذ صور بالأقمار الصناعية، ثم في قمة عُقدت في نفس السنة في مصر رفضت السودان وأثيوبيا التوقيع على التقرير المبدأي للمكتب الفرنسي، وحذر السيسي أن مياه النيل هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب المصري، وفي سنة 2019 لم تصل المفاوضات إلا إلى طريق مسدود حسب إعلان وزارة الموارد المائية والري المصرية بسبب تعنت الطرف الأثيوبي، وأعقب ذلك تصريح من رئيس الوزراء الأثيوبي بأنها مستعدة للحرب في سبيل إقامة السد، وفي سنة 2020 في شهر كانون الثاني أعلنت الثلاث دول إضافةً إلى الولايات المتحدة والبنك الدولي التوصل إلى ستة نقاط أساسية كنواة للاتفاق النهائي الشامل بشأن السد، ولكن أثيوبيا بعد ذلك اتهمت أمريكا بالتحيز لأنها أصرت على عدم استكمال بناء السد بغير اتفاق، مما أدى بمصر في شهر حزيران للتقدم إلى مجلس الأمن تطلب منه التدخل، ثم أعلنت أثيوبيا أنها ستبدأ بملء السد، وقد تم ذلك في 15 تموز، كما أعلنت وزارة المياه المصرية أنه بالفعل قد تراجع منسوب مياه النيل بنسبة 90 مليار متر مكعب.
الخلاصة
سد النهضة الأثيوبي يمثل خطرًا وجوديًا على الأمن القومي المصري، وبالتالي على الأمن العربي، وذلك حسب النتائج الأولية بعد ملئه، ويجب الوقوف صفًا واحدًا معها لإجبار أثيوبيا على توقيع اتفاقيات منصفة مع مصر، للحفاظ على حقوق مصر في المياه، ويجب التحقق من سلامة السد ووضع الخطط الكفيلة دون وقوعه أو انهياره، نظرًا للخطورة الكارثية إن حصل ذلك، حيث تشير بعض المراجع إلى أن تدمير مصر بالغرق هو نبوؤءة توارتية يهودية، ومع أن هذه النبوءات هي مجرد أوهام غالبًا، إلا أن السياسة الصهيونية قامت بالأساس على مبدأ تطبيق النبوءات بشكل مفتعل عبر الخداع والاستقواء، زاعمة أنها حصلت من تلقاء نفسها، فمن المحتمل وجود تعاون وتنسيق إسرائيلي سري مع أثيوبيا بشكل من الأشكال، وخاصة بسبب ميولها الماركسية في السياسة، وبالأخص كذلك بعد أن فشلت مؤامرات تفجير السد العالي في مصر لأجل غرض تدمير مصر، وفي النهاية يبقى الأمر في علم الغيب، وإذا تم امتلاء السد فليس مصر أي شيء تفعله حيال الأمر سوى الاستعداد الاحتياطي.
زاهر طلب
كاتب وباحث
31/8/2020
المراجع:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9
https://www.nature.com/articles/d41586-020-02124-8