فرضية:
تقول لو أن مجتمعاً فاسقاً، استيقظ يوماً ما ليجد حاكمه، بقدرة الله تعالى، قد صلح أو آمن، فهل بالضرورة أن يتوب المجتمع من ساعته ويرجع إلى الله تعالى؟
مما مضى – أخي القارىء – يتضح لنا بطلان الزعم بأن صلاح المجتمع وفساده مناط بصلاح الحاكم وفساده، فقد تاب النجاشي وآمن ولم يقدر أن يظهر إيمانه فضلاً عن أمر رعيته به. وهرقل عظيم الروم لم يقدر على جبر حاشيته اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه النظرة الصنمية للحاكم، وإضفاء صفة الإلهية عليه، كأنه يقول للشيء كن فيكون، نظرة خبيثة خبث الشرك نفسه، يقعد الناس بسببها عن القيام بواجباتهم من أمر بمعروف ونهي عن المنكر، ويترك بذلك المجتمع للتراجع إلى الخلف يوماً بعد يوم، حتى يغدو مجتمعاً فاجراً بمعظمه، وفي هذا لفت نظر لأولئك الذين يدندنون حول “شرك القصور” مع أنهم أقرب إلى التورط في ذلك، عصمنا الله وإياهم من اتباع الهوى.
وحتى لا يساء الفهم ويهمش دور الحاكم بالكلية فنقع في انحراف في الطرف الآخر، وحتى لا نغفل حدود دوائر المسؤولية فيختلط بعضها ببعض فيتقاعس الحاكم عن الواجبات المناطة به ويلقى بالمسؤولية على عاتق الرعية، وكذلك حتى لا تلقى الرعية بمسؤولياتها وواجباتها على عاتق الحاكم، بإحدى الحجج السابقة التي مر مناقشتها، لا بد لك أخي القارىء أن تستذكر ما مر معك قريباً بهذا الخصوص.
وبالإضافة إلى ذلك أقول:
إن الحاكم وحاشيته الصالحة، تكون سيطرتهم على الساحة المكشوفة بقدر قوة أفراد الحاشية، والجماعات التي خلف هذه الحاشية تدعمها، فكلما ضعف إيمانهم وخارت عزائمهم، ونخرت فيهم أسباب الفساد الأخلاقية المنافية للعدل والصدق والأمانة من اعتبار المحسوبيات وقبول الرشاوى والوصولية، أدى ذلك إلى ضعف واضح في الجهاز الحكومي، وبالتالي في تطبيق الأحكام والقوانين مما ينعكس سلباً على سمعة الدولة والنظام الحاكم، فيجد كل صاحب غرض ما يريد في تأليب غثاء الناس ضدها، مما يعين المتربصين من أعدائنا أمثال الاشتراكيين على تحقيق أطماعهم وإسقاط أنظمتنا الإسلامية المعارضة والمعادية للاشتراكية. وبهذا المعنى يكون البعض منا قد سعى مع حسن النية في جلب المفاسد أو تكثيرها وهو لا يعلم.
وكلما قوي الإيمان في أفراد الحاشية، كانت فاعليتهم في تطبيق الأحكام ومنع ظهور المنكرات أعظم، فالقضية إذن نسبية. ومن جانب آخر إذا كان المنكر مما يقع في الساحة المستورة، فكيف للحاكم وحاشيته الوصول إليه ومنعه؟
وأضرب مثلاً لتوضيح الأمر، قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى)، ولمنع وقوع الزنا في المجتمع لا بد من محاربته ومراقبته في كل مكان. فعلى الساحة المكشوفة, يستطيع الحاكم ببطانته الصالحة إغلاق دور الزنا المباشر, وكل ما يؤدي إلى وقوع الزنا, مثل حفلات الرقص العامة, وبرك السباحة العامة, ومخالفات الشواطئ المختلطة, ورياضة النساء التي تتكشف فيها عوراتهنّ، من تزلج وألعاب القوى والسباحة والرقص في الماء، ومسابقات ملكات الجمال وغيرها الكثير.
كما يستطيع الحاكم ببطانته الصالحة أن يمنع جميع مظاهر الاختلاط المحرم في الساحات والأماكن العامّة والجامعات والمواصلات العامّة, وكذلك أن يحدّ من مظاهر السفور والعريّ المنتشر في الشوارع, والسينما والصور الفاضحة, وأن يراقب ما يجوز وما لا يجوز نشره من مطبوعات ومنشورات وصحف ومجلات، وما شاكل ذلك من أمور.
أما على الساحة المستورة فإن دور الحاكم وبطانته الصالحة ينتهي ليبدأ دور أصحاب المسؤوليات الأخرى من آباء وأمهات ومربين وكل من له علاقة بالمنكر، أي أن الحاكم لا يستطيع منع الزنا في البيوت المستورة, ولا الاختلاط المحرم ولا المنكرات في الأسر، ولا التعري بين الأقارب ومع الأصحاب, وما يجري داخل البيوت من منكرات الأعراس، ولا يستطيع أن يمنع ما تعرضه قنوات الدول الأخرى غير الملتزمة الفضائية وغير الفضائية على شاشات التلفاز والانترنت، ولا ما يجري تبادله كذلك من صور فاضحة بين الشباب والشابّات في أجهزة الهواتف النقالة.
ولا يستطيع أن يتتبع جميع الأماكن والشوارع التي تظهر فيها النساء الكاسيات العاريات وخاصة ما يجري في القرى والأرياف بعيداً عن أعين السلطة. وهنا تجدر الملاحظة, أينما غاب الرقيب انتهكت المحرمات، لذا أكد الإسلام على مراقبة الله تعالى في السر والعلن. فكلما ضعف الجهاز التنفيذي عند الحاكم ومراقبته لله تعالى كلما انتشرت مظاهر المحرمات لضعف المتابعة بل يؤدي إلى وقوع هذا الجهاز فيما حرم الله أو خالف القانون, وعندنا في الأردن قانون يمنع التدخين في المكاتب والأماكن العامّة, ويقضي بدفع غرامة ماليّة على كل مخالف ورغم التأكيد المستمر عليه من الحكومة, إلا أننا لم نر لهذا القانون أثراً, لانتهاكه من قبل الكبير والصغير, من داخل الجهاز التنفيذي أو من خارجه, فغدا حبراً على ورق، وذلك بسبب غياب البطانة الصالحة، بل غياب البطانة الصالحة المؤثرة.
وعليه، يجب التعاضد وتركيز العمل على إصلاح الرعية ورفع ظلمهم لأنفسهم والانشغال بذلك، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للحاكم بشروطه وضوابطه.
عدنان الصوص
٩/٧/٢٠١٨