خطورة الخلط بين العلمانية والشيوعية أو اليسار عموما
أولا: يقول الدكتور سمير مراد بخصوص هذا الموضوع تحت عنوان (الدولة المدنية) ما يلي:
((( في حقيقة الأمر، فالدولة العلمانية هي في الواقع دولة قانون، تقوم على فصل الدولة والسياسة والحكم عن الدين، وتجعل الدين للناس يتعبدون به في أماكن عبادتهم، وغالى البعض فزعم أن العلمانية تفصل الدين حتى عن الحياة، وهذا من الباطل، بل حكام الدول العلمانية أنفسهم قد يكونون متدينين، مما يدل على أن العلمانية لا تعادي ولا تضاد الدين، وهذا النوع من الحكم، لا يوجد فيمن ينتسبون إلى الإسلام من الدول إلا في تركيا، منذ سقوط الخلافة وحتى يومنا هذا.
الدولة الشيوعية الشمولية:
هي الدولة التي ينص دستورها صراحة؛ على فصل الدين عن الحياة، وأن الحياة مادة لا روح فيها –أي: لا يوجد يوم آخر- وهي تعادي الدين وتضاده قولاً واحداً، قامت بحجة مقارعة الدول الرأسمالية، ولذا فأن نظرية التفسير المادي للتاريخ عند الشيوعيين تقوم على ذلك، وشعارهم: لا إله والحياة مادة.
الشيوعية والعلمانية
ولمزيد من الوضوح والبيان، أبين خطأ زعم البعض أن العلمانية إلحاد، بل وزاد البعض أن الشيوعية وليدة العلمانية، وزعم البعض أن الشيوعية لا إلحاد فيها فأقول:
قبل الخوض في التعريف لكل منهما، ومن أفواه أهلها، أود أن أذكر سبب مقالي هذا، ولست مصادراً بما سأذكره للمقال، لكن حتى لا يزِلَّ فهم فيظن غير المراد، فأنا لست مدافعاً عن العلمانية، وإنما أريد أن أنبه إلى خطر عظيم، قد ذر قرناه، ما ينبئنا أن الدجال -حينها- قريب خروجه، والخطورة في هذا الرأي:
**أنه مصادم للحقيقة والواقع من وجه.
**وأنه يخشى أن يَنْجَرَّ بذلك الحكم إلى الديمقراطية الإجرائية، فيحكم عليها بالإلحاد، وأنها وليدة العلمانية الإلحادية، ما يقضي على أكثر الدول الإسلامية بالكفر والتكفير، وهذا لم يسبق له مثيل في التاريخ -أعني تكفير الأمة- إلا من طائفتين، الرافضة كدرجة أولى، حيث كفروا الصحابة والأمة إلا بضعة عشر نفر، والخوارج من السابقين واللاحقين، فأن بث هذا الرأي على أنه حق، ولم يجابه ولم يواجه، فعندها ستقع الطامة الكبرى، وذلك بداية الدجال.
وهنا أقول: لا يفرح العلمانيون بمقالي هذا، وإنما أنا به أدافع عن موجة تكفير عارمة ستجتاح الأمة، لذا فأنا أدافع عن ديني دين التوحيد وتعظيم وحدانية الله تعالى، دين الإسلام فأقول وبالله التوفيق وكلامي سيكون مختصراً معتجلاً أيضاً:
ونبدأ بالأصل خلافاً لما يزعم هؤلاء الزاعمون:
الشيوعية؛ قاعدة: لا إله والحياة مادة.
من خلال نظرة ونظرية ماركس ولينين وكل شيوعي علمي، فكلمتهم للتفسير المادي للتاريخ مطبقة على أن: المادة هي الأساس، وعنها نتج كل شيء في الكون، ولذا ترجموا كل عقيدتهم ودينهم في هذه الجملة:
لا إله …… والحياة مادة.
وهم بهذا لا يعتقدون بإله أصلاً فضلاً عن وحدانية الإله، ولا يؤمنون بالرجعة ولا بالبعث، فهي حياة عبثية (نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر)، كلمة قالها سابقوهم، وهم كرروها وأعادوها.
والبعض يروج لهذه العقيدة، بدعوى أنها مذهب اقتصادي فقط، واْعجب كثيراً، حين تقرأ لبعضهم أن الشيوعية لا تعني الإلحاد، فمن نصدق حينها،
أنها إلحاد كما يقول واضعوها، وأنها غير العلمانية قطعاً.
أنها إلحاد وهي وليدة العلمانية كما يزعم بعض كتاب المسلمين فقط دون غيرهم للأسف، فيما أعلم.
أنها مذهب اقتصادي لا يعني الإلحاد كما يقوله بعض الشيوعيين الآن.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الشيوعية: “بالإنجليزية communism ، مشتقة من اللاتينية common،”communls universal
هي مصطلح يشير إلى مجموعة أفكار في التنظيم السياسي والمجتمعي مبنية على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج، …..، والنظرية الماركسية تعتبر الشيوعية مرحلة معينة من مراحل التطور التاريخي، ….، وأفكار كل من كارل ماركس وفريدريك إنجلز، مثلت الشيوعية كحركة ثورية، …….” ا.هـ.
ومن مفاد البيان الشيوعي: “أن الشيوعية تلغي الحقائق الثابتة، تلغي الأديان والأخلاق بدلاً من تجديد تشكيلها، فهي تناقض إذن التطورات التاريخية السابقة كلها” ا.هـ.
وفيه: “وبهذا الشكل أتيحت للاشتراكية الحقة، الفرصة المنشودة لمواجهة الحركية السياسية بالمطالب، وحرية الصحافة البرجوازية ………الخ ” ا.هـ.
قلت: فالشيوعية قامت حرباً على غيرها من كل ما يمت للتدين بصلة، مما يبين هدمها للدين والتدين، علماً وعملاً.
وفيه عن مناهضي الشيوعية: “ولذا يتصدوْن بضرواة لكل حركة سياسية عمالية، إذ لا يمكن أن تصدر إلا عن كفر أعمى بالإنجيل”.ا.هـ.
وفي أصول الفلسفة الماركسية اللينينية عن الجدلية المادية:
“والمادية الديالكتيكية، هي النظرة العالمية للحزب الماركسي اللينيني، وهي تدعى مادية ديالكتيكية لأن نهجها للظواهر الطبيعية، ………” ا.هـ.
وفيه: ” المادية التاريخية، هي امتداد مبادئ المادية الديالكتيكية على دراسة الحياة الاجتماعية، تطبيق مبادئ المادية الديالكتيكية على ظواهر في الحياة الاجتماعية، وعلى دراسة المجتمع وتاريخه، وتدعى الجدلية المادية التاريخية، أنها استطاعت أن تكشف عن الأساس الموضوعي المادي لمجمل الحياة الاجتماعية، وتبين جوهر المجتمع البشري، وتدرس قانونيات التاريخ العالمي”.ا.هـ.
وفي نظر هيجل، ما يثبت -من خلال مخالفته للنظرة الشيوعية وإن كان قد سبق ماركس- فأنه: “رأى أن الوصول إلى الوعي من المادة مستحيل -كما يرى الماديون-” ا.هـ.
قلت: هذا ملخص مفيد بأذن الله تعالى، فحواه كما ترجمه الشيوعيون أنفسهم:
لا إله
الحياة مادة
الدين أفيون الشعوب.
عياذاً بالله من كل ذلك.
العلمانية:
يقول المفكر والكاتب الإنجليزي جورج هيولوك، وهو أول من صاغ مصطلح العلمانية لأنه: “لا يمكن أن تفهم العلمانية على أنها ضد الكنيسة، بل هي أن الدولة منفصلة عنها، وأنها لا تسمح بفرض رأي أو فكرٍ معين على الناس، فالناس لهم حرية الاعتقاد والتفكير والدين، دون فرضه على الآخرين بقوة”.ا.هـ.
وتقدم دائرة المعارف البريطانية تعريف العلمانية بكونها: “حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الأخروية، …….، فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية”.ا.هـ.
وكتب الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في موضوع العلمانية: “من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينياً أو فكرياً أو اجتماعياً، ويجب أن تشتغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف، يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر” ا.هـ.
تصريح لثالث رؤساء أمريكا توماس جيفروس يقول فيه عن العلمانية: “إن الإكراه في مسائل الدين أو السلوك الاجتماعي، هو خطيئة واستبداد، وإن الحقيقة تسود إذا ما سُمح للناس بالاحتفاظ بآرائهم وحرية تصرفاتهم”.ا.هـ.
**دعوى أن الشيوعية وليدة العلمانية لأن ماركس تلميذ هيجل ولنسف هذه الدعوى، أنقل من أقوال هيجل ما يلي:
“يجب على فلسفة الدين أن لا تخلق الدين، لأنه موجود بالفعل في أشكاله التاريخية الملموسة، بل يجب عليها ببساطة، إعادة معرفته وربما التصالح معه، لأنه حقيقي……” ا.هـ.
“شلير ماخر، وشيلينغ، وملك بروسيا، وكل الكنائس اللوثرية، …….، أخذوا موقفاً ضد هيجل، ……..، ومع ذلك لا يمكن اتهام هيجل بالتضليل والخيانة والفجور، ……الخ، بالرغم من ذلك، كان لدى هيجل الشجاعة للذهاب إلى إعادة تكوين كاملة للعلاقة بين الذات والموضوع، بين الإنسان والله، بين المحدود والمطلق” ا.هـ.
وخلاصة الموضوع:
أن فرقاً حقيقياً وجوهرياً بين الشيوعية الإلحادية التي هي فصل الدين عن الحياة، والعلمانية التي هي فصل الدين عن الدولة، وإثبات حرية التدين، وأن ما لقيصر لقيصر، وما لله فلله، وأن الديمقراطية فرع عن العلمانية، لا تلغي هوية الدين، بل هي والحمد لله في بلادنا الإسلامية، تنص على أن الإسلام دين الدولة، بخلاف غيرها من الدول التي وإن كانت لا تلغي التدين، لكنها لا ينص دستورها على مرجعية الدين، ولهذا نسميها بالديمقراطية الإجرائية))). انتهى قول الدكتور سمير مراد.
ثانيا:
بما أن العلمانية نهج غربي، أو أنه يراد لنا أن لا نفهمها كذلك، وهي كذلك، وأن الشيوعية (اليسار) نهج شرقي، فان الخلط بين اليسار الشرقي والعلمانية الغربية، وتصوير جرائم اليسار وتصديرها للمستهلك العربي باسم الغرب، سيؤدي ذلك الى إغفال الخطر الشرقي الزاحف والتوجه للصراع مع الخطر الغربي ومع حلفائه. وعلى راس حلفائه الاردن والسعودية وبقية الدول السنية المعتدلة.
وبهذا تتحقق نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ الرامية لأسقاط كل الانظمة المعادية للشيوعية واليسار ولموسكو ونحن لا ندري.
فالحذر من اطلاق اسم العلمانية على ما يقوم به اليسار بعمومه من مهاجمة للاديان والعلماء والثوابت والاعراف والقوانين ونشر الالحاد والرذيلة.
والله اعلم.
عدنان الصوص
13/10/2016