ذكرنا في المقال السابق أن الإيجابية في النظرة المتبادلة بين اللاجئين والمضيفين هي حجر الأساس في نجاح عملية اللجوء وتحويل نتائجها إلى فوائد تصب في صالح جميع الأطراف، وتساعد على تقليل الأضرار. وسوف نستعرض في هذا المقال أهم الأفكار والرؤى السلبية التي تؤدي لنتائج سلبية ضارة، هي عكس الهدف المطلوب من عملية اللجوء، وهي مهمة جداً لأنها مقدمات لانتشار فكر الإرهاب بين اللاجئين.
الهدف من اللجوء:
إن هدف اللاجئ الأصلي من لجوءه هو الحصول على الأمان على حياته إلى حين القدرة على عودته لوطنه، كما يُفترض أن يحاول اللاجئ بطرق رشيدة أن يحصل على التعاطف والتأييد الممكن لقضيته، وبدون التسبب لغيره بأي ضرر أو إخلال بالأمن، أما إذا سارت الأمور بخلاف ذلك بدون تقصير من المضيفين فيجب على اللاجئين إعادة مراجعة أنفسهم وأفكارهم ومفاهيمهم لعملية اللجوء.
ومن أبرز الأفكار الهدامة الخاطئة حول اللجوء:
– اعتبار قضيتهم أو ثورتهم على نظامهم الحاكم أنها يجب أن تشمل ثورة على جميع أنظمة الحكم العربية بلا أي تمييز أو تفريق، والتعميم الأعمى بدون اعتبار لحالة كل دولة ورأي شعبها وأحواله، والأسوأ تعميم هذه الفكرة تجاه دولة مضيفة، ففي هذا نكران للجميل فوق كل ذلك الجهل.
وينتج عن هذه الفكرة طيفٌ من التصرفات السلبية يترواح ما بين نكران الجميل إلى إثارة الشائعات المغرضة لا شعوريا والمشاركة بنشرها، بل يصل إلى حد التحريض على أعمال ثورية أو الانخراط بأعمال إرهابية ضد الدولة أو الشعب المضيف، وكل ذلك ليس عن خيانة أو سبق إصرار وترصّد، وإنما بسبب الغفلة وتغلغل هذه الفكرة الخاطئة.
وتنتشر مثل هذه الأفكار الهدامة لدى الشعوب العربية بكثرة، وعند الشعب السوري بشكل خاص، بسبب بعض وسائل الإعلام والشائعات التحريضية غير الدقيقة المنتشرة من عشرات السنين، والتي تركز الهجوم على أنظمة الدول المعتدلة أضعاف غيرها، برغم أن الفساد والظلم في دول المقاومة هو أضعاف ما في دول الاعتدال.
والواجب في الثورة السورية أن تكون بوصلتها صحيحة فتشتمل على ثورة فكرية على الجهل والتعميم الأعمى، وعلى الشائعات الكاذبة ضد الأنظمة الأخرى التي مصدرها غالبا من نفس النظام الظالم الذين يثورون عليه.
إن هذه الفكرة هي من أسوأ يأتي به اللاجئ السوري، لأنها تؤدي لنتائج هي تماماً عكس الهدف المفترض من اللجوء، حيث تسبب للمضيفين القلاقل والاضطرابات وانتشار بذور الفكر الإرهابي، وتقلل من تعاطف ومناصرة قضيتهم، بل تناصر قضية النظام الذي هربوا من ظلمه! بدون معرفتهم! كما تسبب لللاجئ بشكل طبيعي الملاحقة الأمنية والقانونية وربما إرجاعه من حيث لجأ، وهذا أيضا هو عكس هدف الأمان الذي جاء لينشده.
ومثل هذه الفكرة أيضا، القياس الخاطئ على مؤسسات الدولة المضيفة بل وجميع الدول في العالم بأنها مماثلة في فسادها وظلمها وتسلطها لما اعتادوا عليه في دولتهم، وهذه الفكرة أقل انتشارا بكثير من الأولى، خاصة أن كثيرين من اللاجئين كانوا يسافرون إلى دول أخرى ويعرفون كثيرا من الفروق بينها وبين دولتهم.
إن الحل لمعالجة هذه المشكلة هو بتفعيل أخلاق الشكر ورد الجميل لأصحابه، وتفعيل مبدأ عدم تدخل المرء فيما لا يعنيه، والأهم هو تعريف اللاجئين على حقيقة وواقع الدول والأنظمة من أصحابها ومصادرها الصحيحة، وليس من الأفكار المغرضة العالقة في الذهن، ولا من الإعلام والشائعات التحريضية.
زاهر بشير طلب
كاتب وباحث سوري