مقدمة:
يُعتبر اللجوء والهجرة فعلا جماعيا طبيعيا عبر التاريخ وهو ظاهرة مستمرة لا تتوقف، واللجوء تحديدا هو فعل اضطراري، فليس للاجئ ولا للمضيف فيه اختيار، ولحسن الحظ أنه من الممكن تحويل نتائج هذا الفعل الاضطراري إلى فوائد تعود على كل من اللاجئ والمجتمع المضيف والدولة المضيفة معا، وذلك إذا تم التعاون بينهم وتبادل الثقة وحسن إدارة عملية الاستضافة، مع حسن التقدير من قبل اللاجئين.
أما إذا لم يتم التعاون وتبادل الثقة والتقدير، فإن النتائج ستكون جدا خطيرة على جميع الأطراف، حيث قد يتحول اللاجئون أو المجتمعات المضيفة إلى بؤر خصبة للانتشار أفكار التطرف والإرهاب ومشاعر الكراهية المتبادلة (لا سمح الله)، وفي سلسلة المقالات هذه سوف نستعرض إن شاء الله كيفية التعامل بشكل جيد مع هذه الظاهرة من النواحي الفكرية والعقيدية والنفسية، لنحاول الحصول على أفضل النتائج الممكنة، وتقليل الخسائر والأضرار إلى أدنى حد ممكن بإذن الله.
النظرة المتبادلة:
تُعتبر إيجابية النظرة المتبادلة بين كل من اللاجئين والدولة والمجتمع المضيف هي حجر الأساس في النجاح في تحويل نتائج هذه الظاهرة إلى فوائد بدلاً من أضرار، خاصة في ظل استمرار بعض المجموعات المندسة بين اللاجئين وبعض الجهلاء وأصحاب النفوس المريضة، بإثارة الإشاعات والأكاذيب وتضخيم بعض الأخطاء الفردية المتفرقة التي تحدث من حين لآخر، ويقابل ذلك أيضا مثلهم في المجتمع المضيف والدولة المضيفة.
وهنا يمكن القول بأن النظرة الإيجابية المتبادلة التي يجب تبنّيها في ضوء ديننا الإسلام الحنيف وفي ضوء عادات شعوبنا العربية الأصيلة مثل إجارة الخائف، وشكر وتقدير أهل الفضل، وفي ضوء القوانين الدولية، هي الترحيب باللاجئين الهاربين من الحروب والقصف أو أي سبب اضطراري آخر، من قبل الشعب المضيف ودولته، واعتبارهم من حيث المبدأ أصحاب قضية محقة، ومناضلين في سبيل الله من أجل شعبهم ووطنهم وأمتهم، وأنهم اضطروا أثناء ذلك للتخلي عن بيوتهم فراراً بدينهم وأنفسهم وأطفالهم ونسائهم، وليسوا جبناء تركوا أرضهم وبيوتهم لأعدائهم مجاناً وجاؤوا لمشاركة أرض غيرهم. ورغم أن هناك بينهم بعض الهاربين فعلا، إلا أن الغالبية هم لاجئون أشبه بمجتمع المهاجرين في سبيل الله.
إن هذه النظرة الإيجابية ليست مجرد فكرة خيالية من المثاليات، فلقد طبّق الأوروبيون مثلها مع اللاجئين من الشعوب التي احتلتها الدولة الألمانية النازية، فالبريطانيون استضافوا اللاجئين الفرنسيين وتعاونوا معا في سبيل تحرير فرنسا من الاحتلال النازي الذي أصبح قضية أوروبية مشتركة.
وهذه يقابلها في المجتمع اللاجئ النظرة بامتنان وشكر للشعب والدولة المستضيفة، والتنازل عن النظرة المتعالية للنفس، نتيجة ما يظنه بعض اللاجئون نضالا وتضحيات قدموها لأجل الأمة، فهذه التضحيات كي تكون مقبولة عند الله وفي التاريخ يجب أن تكون مصحوبة بالتواضع والشكر لكل من يقدم المساعدة، لأن المشكلة بالأساس هي مشكلة الشعب اللاجئ أولاً قبل أن تكون مشكلة غيرهم، كما يجب على اللاجئين أيضا تقدير تضحيات الشعب والدولة المضيفة بسبب آثار اللجوء على اقتصادهم وأمنهم وضغطهم على الخدمات والبنية التحتية وفرص العمل.
إن النظرة المتبادلة إذا غلبت عليها الإيجابية، فسوف تقل كثيرا فرص العابثين والمصطادين في الماء العكر، وتقل الآثار السلبية الناتجة على اللاجئين والمضيفين من اللجوء، وتزيد فرص الاستفادة المشتركة لجميع الأطراف، كما تصبّ إيجابيا لصالح نصرة قضية الشعب اللاجئ والتي هي أيضا قضية الشعب المستضيف لأنها قضية مشتركة لكل الأمة في النهاية.
يتبع…
زاهر بشير طلب
كاتب وباحث سوري