قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
فلأجل اختلاف العقول ومشارب المعرفة ونوازع النفوس وأهواءها فإن الوصول الى حالة من الاتفاق في الرأي أو الكلمة او العقيدة او الاحكام الشرعية الفرعية بات صعبا إلا في ظروف ضيقة جدا، وصفها الله تعالى بقوله: (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ).
لذا فمهما يكن من قرب المجتمع المسلم زمنيا من عهد النبوة او من جيل الصحابة، إلا ان ثمة هامش من الخلاف لا يمكن تجاوزه او لا يمكن لنا محوه بالكلية. أي: وبتعبير آخر فمن المواقف ما يعذر الخلاف فيه من اصحاب الارضية الواحدة، فانظر الى الصحابة رضي الله عنهم وهم جميعا يقفون على ارضية واحدة لا زالت واضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فقد اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل السياسة الشرعية، وكان لكل منهم اجتهاده فقد انقسموا الى مواقف ثلاثة في موطن يحتمل فيه التأويل كون المسألة ليست في اساسها قطعية الدلالة، وهي التوقف عن البيعة لعلي رضي الله عنه بالإمامة لحين قصاصه من قتلة عثمان رضي الله عنه، فقد كان في كل طرف منهم من خيرة الصحابة ما لا ينكره إلا جاحد أو حاقد او جاهل أو مُلبّس عليه.
فهل نحن في هذه الايام مع ما يفصلنا عن جيل الصحابة من مسافة زمنية بعيدة نقف جميعا على ارضية واحدة كما كانوا يقفون رضي الله عنهم كي نتفق في كل شيء ولا نختلف أبدا؟ فإن كان الاتفاق في كل شيء قد تعذر في زمنهم، فما بالنا في مجتمعاتنا المعاصرة؟
فمن الحسَنِ أن نسوق بعض الأمثلة من المسائل المعاصرة التي يسوغ فيها الخلاف بين المسلمين عامة والسلفيين خاصة.
1- مسألة الجهاد في سوريا، فهل هي قطعية الدلالة بحيث تكون واجبة الدعم العسكري وإعلان النفير العام او الخاص؟ ام انها تخضع لفقه الموازنات والمصالح والمفاسد؟
2- مسألة حقيقة اوبٍاما هل هو يعمل لخدمة اسرائيل عن قصد أو بسبب ضغط اللوبي الصهيوني؟ أو انه يعمل ضد سياسة اليهود ابتداء ولكنه أخفق في بعض المخططات وحقق نصرا ضد اسرائيل في بعضها الآخر؟
3- اتفاقيات السلام مع العدو الصهيوني، هل هي لصالح اسرائيل دون العرب أم لصالح العرب دون إسرائيل أم لصالح الطرفين، وان كانت لصالح الطرفين فمن هو المتضرر الاكبر منها؟
4- الموازنة بين الملكية الخاصة وملكية الدولة (العامة).
فإن هذه المسائل ومثيلاتها هي من المسائل الشائكة غير القطعية في الدلالة او في التحليل، بحيث نحاكم الناس على أساسها ابتداء في مسألة الولاء والبراء.
أما الخلاف في المسائل القطعية او كبرى المسائل الكلية فلا سبيل للتهاون بشأنها، بل يجب التحذير من المخالفين لنا فيها، مثل:
1- الزعم بأن التغيير لا يكون إلا بتغيير النظام أو الراعي دون الرعية.
2- الاعتقاد بان الخطر الاكبر هو خطر النصارى او الغرب الديموقراطي الرأسمالي وفي نفس الوقت الاعتقاد بأن الخطر الاصغر هم اليهود والاشتراكيين والرافضة.
3- مبايعة امام كافر كفرا بواحا واعتباره ولي أمر للمسلمين، أو الرضى القلبي بصحة ولايته.
4- التحريض على امير المؤمنين العادل أو الخروج عليه.
5- اعتبار الجهاد غاية في ذاته وليس وسيلة.
6- الانطلاق من الحرية المطلقة لأفعال الانسان أو العقل دون تقييدهما يشرع الله.
فمن نحا منا نحو هذه الاقوال وغيرها الكثير فقد شذ شذوذا بينا لمخالفته للثوابت.
وأخيراً، لنتذكر موقف الصحابة رضي الله عنهم من الحسين بن على رضي الله عنه حين معارضته لحكم الامويين في العراق، كيف انهم لما خالفوه لم يخوّنوه او يعنفوه، أو يقاطعوه علما بأننا جميعا نعتقد بأن الحسين رضي الله عنه يقف على ارضيتهم وهو من كبار السلف الصالح المبشر بالجنة، وانه لم يكن في موقفه على حق وصواب. لذا فلا يجوز لأحد منا تعنيف الآخر لمخالفته في امر يحتمل التأويل، ونسبة فعله هذا الى منهج السلف الصالح في التعاطي مع مسائل الخلاف.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
16/5/2014