يركز المفكر السلمي جودت سعيد في كتابه “كن كابن آدم” كثيرا على ضرورة دراسة دروس وعبر التاريخ ليس فقط من أجل تقدم الأمم والبشرية، بل أيضا للخروج من حالة المذلة والهزيمة والتخلف الحضاري، ومن جملة ما يذكره من فوائد ضرورية هي تحصين المجتمعات والأفراد ضد الإرهاب بنشر المعرفة بعواقب التاريخ، وذلك بسبب أن التاريخ الإنساني ممتلئ بالأحداث والأمثلة والعبر الغنية التي تخبرنا بأن الحق يحق والباطل يبطل، وأن عواقب التاريخ هي مصدر لتمييز الحق من الباطل لمن لا يكفيه كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: “كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” [الرعد:13].
إن القرآن يقص قصص الأنبياء ويحث على النظر في تاريخ من مضى من الأمم، وقصص الأنبياء كلها تدل على أن نشر الدعوة الإسلامية يكون بالطرق السلمية والإقناع، وليس بالقوة ولا بالتطرف ولا بالعنف، وفي هذا أبلغ الرد على الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وحزب التحرير، الذي يزعمون أن إقامة الخلافة والمجتمع المسلم تكون بالإنقلابات العسكرية أو التفجيرات الإرهابية، وهذا كله مخالف لمنهج الرسل والأنبياء.
وهذا نص جميل من كتاب جودت سعيد “كن كابن آدم”:
“المعرفة التاريخية والتطعيم ضد الفساد
إنني أنظر إلى هذه الأحداث بمنظار مختلف، فنحن جميعاً نسمع أن الدول المتخلفة أو التي لم تمكن من تحصيل العلم والمعرفة، أصبحت تطعّم أطفالها ضد شلل الأطفال وأمراض أخرى تسبب موت الأطفال وإعاقتهم، ويؤدي هذا إلى تراجع الجراثيم والأمراض إلى درجة أن جرثوم الجدري لم يعد موجوداً إلا في المخابر، حتى أنهم أعلنوا عن جائزة لمن يقدم حالة إصابة واحدة بالجدري؟، في حين أنه ومنذ زمن غير طويل كان يسجل في البطاقة الشخصية للفرد أه غير مصاب بالجدري، كعلامة فارقة.
وأنا أقول: إن هؤلاء الذين نفذوا الانفجارات وينفذونها، سواء أكانوا أمريكيين أو يابانيين أو مسلمين أو من أي جنسية أخرى، هؤلاء لو كانوا مطعمين بمعرفة تاريخية واضحة متسلسلة معقمة نظيفة، لما قاموا بهذه الأعمال.
إنني أعتقد أن المعرفة التاريخية هي التي ستقضي على الفساد في الأرض وسفك الدماء، سواء في ذلك جماعة قورش التي فجرت أوكلاهوما، وجماعة الحقيقة المطلقة في اليابان الذين فجروا قنابل الغازات السامة في الأنفاق، والذين اقتحموا المسجد الحرام واحتلوه أياماً في مطلع القرن الخامس عشر الهجري، وكذلك الذين فجروا مزار الرضا في مدينة مشهد، كل هؤلاء لم يكونوا ليقوموا بهذه الأعمال لو تزودوا بالمعرفة التاريخية. والمعرفة التاريخية لمسيرة الإنسان ستكون المصل الواقي من الفساد والإفساد وسفك الدماء، لا أقول هذا بالنسبة للشباب الذين يفجرون القنابل والسيارات المفخخة في العواصم العالمية، بل أقوله عن الرؤساء والزعماء العالميين والمحليين الذين اتخذوا القارات التي أشعلت حروب الخليج وفيتنام والجزائر وكل الحروب الاستعمارية والتحريرية، فالذي دفع الجميع هو عوزهم في المعرفة التاريخية”.انتهى.
الكاتب: زاهر طلب