ملاحظة: هذا المقال مجرد رأي للنقاش وليس فتوى شرعية.
إذا تركنا الحديث عن العلمانية المتطرفة الملحدة جانبا، وتحدثنا عن الإسلام، وعن المدنية المعتدلة الديمقراطية، سنجد أن الإسلام في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد وحّد العرب من كافة الطوائف، كما وحّد المسلمين من كافة الأعراق، توحيدا دنيويا سياسيا من جهة، وأيضا توحيدا دينيا أخرويا من جهة أخرى، قال تعالى: “وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم.” (الأنفال 63)، لكن لو حاولنا الآن أن نعيد نفس التجربة في العالم العربي، سنجد على سبيل المثال أنه من الصعب توحيد الشعب السوري بالإسلام توحيدا دنيويا وسياسيا، لأن الخارطة الدينية والطائفية الموجودة الآن تختلف كثيرا عن تلك الخارطة الدينية والقبلية والعرقية التي كانت قبل الإسلام، وهذه ليست مشكلة في الإسلام بل في هذه الشعوب، ولكن الله الذي ألف القلوب دينيا ودنيويا بالإسلام قادر على أن يؤلف القلوب دنيويا على الأقل بالدولة المدنية.
من هنا لماذا لا نقول بأن الديمقراطية هي الحل من الناحية السياسية بدلا من شعار “الإسلام هو الحل”؟ لا شك أن الديمقرطية ليست هي الحل للفوز بالجنة والنجاة من النار في الآخرة، ولكن قد تكون هي الحل لتوحيد الشعوب دنيويا وسياسيا، لأنه قد لا يوجد سبيل لتوحيدهم جميعا على الإسلام في هذا الوقت الا بحروب دينية أو طائفية مهلكة، بل حتى إن الغالبية السنية قد لا يمكن توحيدهم على الإسلام لأن فيهم أطياف فكرة وسياسية متنوعة، بل حتى بين الإسلاميين سيحصل اختلاف على الفهم المطلوب للإسلام الذي يجب أن يتوحدوا عليه، هل هو التيار السلفي أم تيار جماعة الإخوان أم غير ذلك.
بهذا يمكن اعتبار الديمقراطية على الأقل هي الحل سياسيا، قال تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” (البقرة 256)، وقال: “فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” (البقرة 113)، فلنتوحد الآن على الديمقراطية والدولة المدنية اتحادا دنيويا وسياسيا ولنؤسس للعيش المشترك، ولنصبح يدا واحدة في الدنيا في وجه أعداء الشعب والأمة، فمن الناحية السياسية لا مشكلة بأن هذا الاتحاد ليس حلا يشتمل على النجاة يوم القيامة في الآخرة، فلكل مجموعة دينها ومذهبها وفكرها السياسي، وبالحوار يوصل كل طرف للآخر فكرته، ثم لكل إنسان أن يختار ما يشاء ليكون مسؤولا ومحاسبا يوم القيامة، المهم أن نخرج من حالة الفرقة العصيبة هذه، فالديمقراطية المدنية هي حل سياسي لتوحيد كافة أطياف المجتمعات ومساواة الجميع بالعدل أمام القانون، وهي أيضا تشبه ما فعله الرسول الكريم في وثيقة المدينة.
هل هذا يعني أن الإسلام لم يعد قادرا على توحيد الشعوب؟! لا أبدا، ولكن في بداية عصر الإسلام كان يوجد نبي معصوم يوحى إليه من الله تبارك وتعالى، وهو حجة على الجميع ويحمل الفهم الصحيح الحقيقي للإسلام، ثم بغيابه كمرجعية نهائية لم يعد ممكنا حتى توحيد الطوائف الإسلامية، أما غير المسلمين فحتى في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) كانت لهم حقوق المواطنة وحرية التدين بما يشبه الدولة المدنية الحديثة، فالديمقراطية هي أفضل صيغة ممكنة الآن لتوحيد الشعوب، صحيح أن الاتحاد بالإسلام كان أفضل، لكن الآن هذا أفضل الموجود في هذا العصر.
ما رأيكم؟