بدأت بعض الأصوات تتحدث عن فشل الربيع العربي أو تعثره، وأن الديمقراطية لا تلائم المجتمعات العربية والشرقية عموما، وتدعو لاعتماد نموذج المستبد العادل بمعنى الحازم وليس الظالم، وذلك كحل برأيهم من أجل تحقيق النهضة، معتقدين أن الناس لا ينتخبون الشخص الأفضل ولا يختارون القرار الأنسب، وأن مشاركتهم قد تعطل النهضة.
واحتجت بأنه حتى التجارب الديمقراطية في ظل الربيع العربي قد أظهرت كم أن الجماهير غارقة في تفاصيل حياتها اليومية لدرجة يسهل انقيادها لمن يملكون أجندة سياسية خارجية أو لا يملكون استراتجية حقيقية لخدمة الأوطان، فقط لأن هؤلاء المرشحين حققوا للجماهير مصالح فردية وآنية وثانوية، أو دغدغوا عواطفها بخطابات عاطفية أو دينية، وخلصت تلك الآراء إلى أن الجماهير لا تستفيد من الديمقراطية لأن الوعي يجب أن يكون سابقا على الديمقراطية.
بدلا من ذلك كان يجب التوصية بنشر التوعية الديمقراطية بين الشعوب، والنظر إلى التجارب الأولى للانتخابات في الربيع العربي على أنها تجارب تقدم للشعوب دروسا حقيقية تستفيد منها في المرات القادمة في كيفية اختيار الأفضل، وهي تجربة تضع كل تيار وفصيل سياسي على المحك وتختبر مصداقيته وقدرته على الحكم، فلماذا التسرع بالحكم وعدم انتظار الشعوب حتى تختار في المرة الثانية والثالثة كي نشاهد تطور ونضوج التجربة الانتخابية والديمقراطية؟
إن التطور الطبيعي للمجتمعات عموما ومنها المجتمعات العربية، إضافة إلى التطور التنولوجي الكبير وشبكات الاتصالات العالمية سوف تجعل من فكرة المستبد العادل – وإن نجحت أحيانا في الماضي – فكرة ديناصورية منقرضة في الحاضر، وسوف ينقرض من يطبقها عاجلا أم آجلا، أما من يفكر بتطبيقها الآن فقد أثبت له الشعب المصري أن تجربة الرئيس مرسي في مصر الشبيهة بفكرة المستبد العادل قد فشلت قبل أن تبدأ، برغم أن الشعب المصري كان مثل باقي الشعوب العربية المخدوعة بالخطابات العاطفية الرنانة.
لقد تغير كل شيء و “زمن أول تحوّل” ويجب وضع أنظمة الحكم العربية على طريق الوصول إلى الديمقراطية الحقيقة الناجحة، بما في ذلك نشر التوعية بالحرية والديمقراطية، وذلك لأنه لن يستقر الاستبداد لا العادل ولا الظالم بعد الآن، إن الأمر أشبه بمولود جديد، ويجب تقبل حقيقة أن قد ولد ولا يمكن إرجاعه لرحم أمه بحجة أنه لا يعرف كيفية التنفس والرضاعة، وإنما يجب العناية به وتعليمه وتوعيته بالحياة الجديدة.