هذا المقال هو الجزء الثاني من المقال السابق “الخلافة الإسلامية الحقيقية هي دولة مدنية معتدلة ج1“، ومن الضروري قراءة الجزء الأول.
ملاحظة مهمة جدا: هذه السلسلة من المقالات ليست فتاوى شرعية أو دينية، وإنما هي آراء شخصية مستمدة في الفقه الشرعي والواقع والتحليل السياسي، هذه الآراء مطروحة للنقاش وتوسيع الآفاق الفكرية، كما أنها تختص بزمان ومكان معينين، لأن التحليلات تختلف من مكان أو زمان لآخر. وإن زمان ومكان هذه الآراء هو في سوريا بعد دخول جبهة النصرة للقتال ضد النظام.
أولا ماذا تعني الخلافة الإسلامية؟
معنى الخلافة في الأصل هي الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ثم بعد ذلك أصبحت الخلافة مشوبة بالملك في عهد الأمويين وما بعده، وإقامة الخلافة واجب عند المقدرة فقط وبقدر الإمكان، فلا يجب إقامة الخلافة عندما لا تسمح الظروف الدولية بذلك، ولا يجب إقامة خلافة راشدة إذا كانت الظروف لا تسمح إلا بإقامة خلافة مشوبة بالملك، وهكذا…، أما الواجب في حده الأدنى هو وجود حاكم للشعب المسلم بحيث تنضبط الأمور ولا تعم الفوضى، ويعتبر الحاكم قائما بأعمال الخليفة على هذا الشعب المسلم، ولكن ليس أي حاكم هو حاكم شرعي، وليس أي نوع من الشرعية يكون مقبولا في كل الظروف، وإذا كان الحاكم كافرا يصرح علانية بالكفر وظالما مثل بشار الأسد ومعمر القذافي فهو غير شرعي، ويجب إسقاطه عند توفر المقدرة مع شروط أخرى، وذلك لتنصيب حاكم مسلم عادل مكانه، وهذا الأمر واجب قبل التفكير بإقامة الخلافة.
وبهذا المعنى فلا يحق لجبهة النصرة في سوريا وحزب التحرير وتنظيم القاعدة أن يحتكروا إقامة الخلافة، فالشعب السوري في الأصل أراد إسقاط نظام الحاكم الكافر الظالم بشار الأسد وإقامة حاكم صالح عادل مكانه، وإن أي حاكم مسلم هو نائب عن الخليفة، فإذا كان حاكما على جزء من بلاد الاسلام فهي نيابة جزئية، أما الخلافة الكبرى فهي خلافة الحاكم المسلم العادل على كل أو معظم بلاد الإسلام، وفي ظروف غياب الخليفة الأكبر كما في عصرنا، ينوب عنه الحكام المحليون وتثبت لهم شرعيتهم بحسب حال كل حاكم والظروف المكانية والزمانية.
أما دعوى جبهة النصرة لإقامة خلافة في بلاد الشام والعراق بمعنى الخلافة الكبرى، فهي تعني بمنظورهم إسقاط شرعية باقي الحكام في باقي بلاد المسلمين بطريقة تعسفية ودون النظر في أنواع الشرعية المتعبرة شرعا، ودون النظر في فقه المصالح والمفاسد الشرعي، ودون اختيار أفضل طريقة لتوحيد بلاد المسلمين بشكل يحقن الدماء ولا يتسب بحروب مفسدتها أكبر من بقاء بعض الأنظمة الحالية، فمثلا كانت طريقة الاتحاد الأوروبي من أفضل تجارب توحيد الدول في التاريخ وربما هي الأولى من نوعها بهذا الحجم، وبطريقة سلمية تدريجية حفظت البلاد والشعوب من الحروب والتسلط والطغيان، والحكمة ضالة المؤمن.
كما أن احتكار جبهة النصرة ادعاء إقامة الخلافة، وعدم اعترافهم بمطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية، ورفضهم التعاون مع أطياف المعارضة السورية المعتدلة والجيش الحر، هذا اختزال وإسقاط قديم متحجر لمفهوم الخلافة، ولا يتفق مع مفهوم الخلافة الإسلامية الصحيحة التي تصلح لكل زمان ومكان وتستجيب لمتغيرات العصر مع المحافظة على جوهرها، وهذه الدعوى هي تكريس للتشدد والفكر التكفيري المشابه لفكر فرقة الخوارج التكفيرية التي لا تعترف برأي المسلم الآخر، وهو عمل يصب في مصلحة النظام السوري، وخاصة لجهة تغذية الطائفية التي أرادها النظام وافتعال وتفجير مختلف أنواع الصراعات الفكرية والدينية على أشدها.