قبل حوالي عقدين من الزمن كانت قد بدأت مرحلة جديدة من مراحل الحرب الثورية الاشتراكية الشيوعية ضد العالم، تمثلت في التراجع التكتيكي المؤقت في سياسة الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الاتحادية الحالية تحت اسم “البيروسترويكا” أو “إعادة البناء”، وقد صحب هذه المرحلة حالة مهولة من الحرب التضليلية الإعلامية المبشرة بموت الاشتراكية وانتهاء خطرها، وللأسف فإن كثيرين رددوا هذه الدجلية المعاصرة الكبرى في العالم حينها باستثناء بعض كبار السياسيين والباحثين الذين يعلمون الحقيقة ولكنهم ما كانوا يبشرون بذلك صراحة إلا لكونهم كانوا يراهنون على أن تتحول هذه الخدعة السوفيتية التكيتيكية إلى حقيقة في نهاية الأمر، لكنّ ما حصل هو أن الغلبة والدهاء الشيوعي كان أكبر، فها هو الخطر الشيوعي بات يعود بقوة.
وهنا لا بد من التذكير بأنه على الرغم من زخم الضجيج الإعلامي المبشر بموت الاشتراكية والشيوعية، ثمة فئات أخرى لا زالت منتشرة في العالم هنا وهنالك، ومنذ ذلك الحين وهي تحذر بشكل أو بآخر من سياسة البيروسترويكا بأنها ليست موتا حقيقيا للخطر السوفياتي والشيوعي، بقدر ما هي تراجع تكتيكي ظاهري قائم على مبادئ وتصورات وقوانين لينين ضمن خيارات البناء الاشتراكي، حيث أوصى بأنه عند الحاجة يمكن استخدام بعض من الأطر الرأسمالية ضمن سياج الاشتراكية الأكبر بدون تحول كامل إلى الرأسمالية، سعيا لإعادة بناء القوة الاشتراكية اقتصاديا وعسكريا للانقضاض على العالم من جديد.
وها هي الأيام تمضي لتثبت لمن خُدعو بتلك الشعارات الضالة المُضلة صدق القائلين بعدم موت الاشتراكية أو انتهاء خطرها. وكنت قد ألفت كتابا صدر في عام 2005 سمّيته: “المنابر الاعلامية بين تجاهل الخطر الشيوعي وظاهرة معادة أمريكا” كان فصله الأول بعنوان: “هل ماتت الشيوعية”؟. بيّنت فيه القوانين اللينينية والأدلة النظرية والتاريخية الداحضة لهذه الفرية، كان من ضمنها ما كتبه جورباتشوف في كتابه (البيروسترويكا) حيث اعتبر أن سياسة البيروسترويكا الجديدة ” ستضاعف القدرة الاقتصادية والعسكرية للاتحاد السوفيتي وبالتالي ستزيد من التهديد السوفيتي ” (ص: 146) وغيرها من النصوص التي أكد عليها في معظم صفحات الكتاب التي بلغت نحو 250 صفحة، نعم… وبهذا الوضوح، وهذا ما حصل فعليا في دولة الصين الشيوعية حيث ازداد تهديدها الاقتصادي والعسكري للعالم، لكن في روسيا فإن خدعة سقوط الاتحاد السوفياتي وقوة الآلة الاعلامية وتكرارها أدت الى عدم التفاعل مع ما ذكره جورباتشوف.
لقد كان انهيار الاتحاد السوفياتي وقيام روسيا الاتحادية جزءا سريا من خطة البيروسترويكا أو هي الخطة البديلة “ب”، ويدل على ذلك أنه لم يتوقف تطبيق جوهر البيروسترويكا برغم سقوطها ظاهريا مع رحيل غورباتشوف والاتحاد السوفياتي، وهذا التطبيق هو ما أدى لعودة القوة والتهديد الروسي مجددا الآن بشكل مشابه لما كتبه غورباتشوف.
وعن نتيجة هذه السياسة التي حققت أهدافها كتب المحامي علي أبو حبلة في صفحته على الفيس بوك، كيف استعادت روسيا مكانتها ووجودها على الساحة الدولية كقوة كبرى مناكفة لأمريكا في حكمها للعالم وبناء تحالفات مكنت القيادة الروسية من إعادة رسم خريطة العالم من جديد؟، حيث قال تحت عنوان: (موسكو قوه عظمى عبر البوابة السورية وأمريكا تتناقض مواقفها وسياستها بشان سوريا):
“انتهى عصر التحكم القطبي الأحادي الأمريكي ولم تعد أمريكا اللاعب الدولي الأوحد على الساحة الدولية والإقليمية بعد أن تربعت على عرش مملكة العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتيي في التسعينات من القرن الماضي ولغاية أوائل القرن الحالي ، انهزمت أمريكا وتضعضع موقفها عبر احتلالها للعراق وأفغانستان ومشروعها للشرق الأوسط الجديد يواجه في مقاومة الشعوب العربية ورفضها للهيمنة والتبعية لأمريكا ويصطدم على صخرة الصمود الأسطوري للشعب السوري والجيش العربي السوري وتماسك القيادة السورية ، وإن المشروع الأمريكي يواجه بالصمود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية. أمريكا وهي تستعد للرحيل عن احتلالها لأفغانستان تحتاج إلى روسيا لتامين انسحاب لقواتها لتامين الحماية للقوات المنهزمة من هجمات الثوار الأفغان الذين تمكنوا من دحر الاحتلال الأمريكي لأراضيهم ، تمكنت روسيا من استعادة مكانتها ووجودها على الساحة الدولية كقوة كبرى مناكفة لأمريكا في حكمها للعالم حيث تمكن قادة الكرملين من استعادة مكانة روسيا وبناء تحالفات مكنت القيادة الروسية من إعادة رسم خريطة العالم من جديد عبر تحالفات تمثلت في منظمة شنغهاي للدفاع والتعاون المشترك ومجموعة دول البر يكس التي تضم في صفوفها غالبية سكان العالم والتحكم باقتصادياته، هاتان المجموعتان تقفان اليوم في وجه التوسع الأمريكي والتحكم والتفرد الأمريكي في حكم العالم”.
11/5/2013