جرت العادة أن الانظمة الدكتاتورية تتعامل مع المعارضة بالخشونة ومن اللحظات الأولى، وأن الأنظمة الديموقراطية بعكسها تماما تتعامل مع المعارضة بالأسلوب الناعم ابتداء.
فليس سرا إن قلنا بأن تعامل الأجهزة الامنية (الدرك) في الأردن مع المعارضة كان في مرتبة متقدمة من ضبط النفس وحماية حرية التعبير، حتى لو كان المعارض شيوعيا عدوا للدين وللإنسانية وللأخلاق.
ولكن حين تقوم فئة مهما كان لونها أو مرجعيتها بأعمال التخريب أو رفع الشعارات الى حد الدعوة الى إسقاط الملك، أو رفع شعارات التخوين والشتائم السوقية أو شراء مواقف المستضعفين المحتاجين للقمة العيش أو استغلالهم لاتخاذ أساليب جانحة، لتستفز بتلك الأساليب أو إحداها الأجهزة الأمنية للتعامل معها بأسلوب آخر. فإن الحكومة تكون في هذه الحالة في وضع لا تحسد عليه وأمام خيارين اثنين.
فهي إن تركتهم وما أرادوا نجحوا في خرق السفينة وإثارة الفوضى والفتنة، وهذه مفسدة. وإن أخذوا على أيديهم فإنهم بذلك يصبحون بلطجية وشذاذ آفاق وتتساقط شعبيتهم بالتالي يتساقط النظام تتدريجيا، وهذه مفسدة أخرى.
فما الواجب فعله في مثل هذه الحالة؟ أتتركهم أم تأخذ على أيديهم، والحديث حصريا في الأردن.
المطلوب هو أن تقوم الأجهزة الأمنية بإحباط المخطط الرامي لاستفزازهم وجرهم الى ما يريده الحراك من وقوع الفوضى والاضطرابات، وذلك من خلال التحلي بمزيد من الصبر على الأذى وتحمّله، وتصوير المسيرات بالفيديو. فإن تطور الأمر الى ما لا يجب السكوت عليه، فعليهم أن يعالجوا الموقف بأخف الأعمال خشونة لضمان توفير الأمن والأمان باعتباره حق للمواطنين الأردنيين جميعا في أعناقهم.
وليس في هذا الطرح تزلف لنظام ولا عداوة لحراك، فإن القواعد الفقهية الأصولية تقتضي دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى، وهذا ما استخدمته حماس في قطاع غزة حين رأت أن تصرفات السلفيين الجهاديين خرجت عن المصلحة التي تراها فأنهت محنتهم واقتحمت عليهم مسجد ابن تيمية بإطلاق النار. وهذا ما يقوم به الآن نظام الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين للحكم في مصر، ويتهمون معارضيهم ببقايا النظام البائد أو بالفلول. بل هذا الأسلوب تقوم به الدول الديموقراطية الغربية لضبط الأمن وتحقيق الأمان.
وعليه، فلا يجوز أن يكيل البعض في نفس المسألة بمكيالين اثنين. يؤيد نظاما باستخدام الخشونة، ولو وصل إلى حد اطلاق النار والتصفية للمعارضة سواء كان المؤيد للفعل من اليسار أم من اليمين. وفي نفس الوقت يعارض آخر ـ كالنظام الأردني مثلا ـ إذا رفع من أسلوب التعامل مع المعارضة من النعومة الى الخشونة لضرورة، والحجة لدى النظامين واحدة، إلا وهي الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا، ودرء الفتنة والفوضى. قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
والحمد لله رب العالمين.