نشأنا وتربينا على أن قضية الاحتلال الصهيوني لفلسطين والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هي القضية المركزية والأساسية والأهم لمصير الأمة العربية الإسلامية أجمع، ولكن هل هذا تصورٌ صحيح؟ وخاصة بعد ظهور قضايا عربية وإسلامية أخرى كبيرة من فترة إلى أخرى، وأيضا في ظل استغلال المتاجرين بالمقاومة لتعاطف الجمهور المسلم، لتمرير أجندات أحيانا تكون أخطر على مصير الأمة من الاحتلال الصيهوني نفسه، فكيف نقرر أولوية القضايا والمشاكل العربية، وما هو الميزان لهذا؟
في شرع الإسلام الحنيف هناك مقاصد الشريعة الأساسية التي يتم بها موازنة أهمية الأمور والقضايا، وهي 1- الدين. 2- النفس. 3- المال. 4- العقل. 5- النسل. فأهمية القضايا مبنية في الشرع على هذا الترتيب، ولا يجوز مثلا أن تطغى أهمية الأرض – وهي تعتبر جزءا من المال – على أهمية النفس فضلا عن الدين والعقيدة، ففي الحديث الشريف: “لزوال الدنيا أهون عند الله من دم امرىء مسلم”، فحتى المساجد والمقدسات الإسلامية فهي ليست أكثر أهمية من النفس المسلمة، وقد عقد النبي (ص) صلح الحديبية لحقن دماء المسلمين برغم أن الصلح سيبقي المسجد الحرام محتلا لدى المشركين.
إن مشكلة الاعتقاد بأن القضية الفلسطينية هي المصيرية في تفكير العالم العربي، أنها كثيرا ما أدت إلى إهمال الجماهير المسلمة بشكل نسبي نصرة قضايا تكون في وقتها طارئة وأكثر أهمية، لأنها مثلا تستنزف عددا أكبر بكثير من الأنفس المسلمة في وقت أسرع مما في فلسطين، أو يتعرض فيها المسلمين للفتنة في دينهم، فيحاول أعداء الإسلام إجبارهم على اعتناق عقائد الكفر أو تبشيرهم بها مستغلين جهلهم وفقرهم، مثل مجازر روسيا في الشيشان وأفغانستان وغيرها الكثير، ومجازر النظام البعثي السوري قديما وحديثا، ومحاولات إيران نشر التشيع الرافضي بين أهل السنة في مناطق نفوذها في العالم العربي.
إن استمرار فكرة مركزية مشكلة الاحتلال الصهيوني من شأنها أيضا تسهيل إعادة تلميع تجار المقاومة والممانعة لدى الجماهير حتى بعد غوصهم في دماء المسلمين، فعلى سبيل المثال، فقد نظر العالم العربي للمجرم المقبور حافظ الأسد على أنه مجرم دموي وعدو للإسلام بعد مجزرته الشهيرة في حماة عام 1982، ولكن بعد سنوات، استطاع إعلام المقاومة غسيل هذه الصورة عنه، وإعادة ترويجه كقائد للصمود والتصدي ضد الاحتلال الصهيوني، وذلك فقط بسبب دعمه بضعة مسرحيات من المعارك الزائفة ضد إسرائيل، وأخشى لو قام أيضا بشار الأسد أو حسن نصر الله بمثل تلك المسرحيات مرة أخرى أن يوجد هناك من الناس من ينسى جرائمه ويعتبره بطل المقاومة والممانعة من جديد!.
لكن الصواب حسب ميزان مقاصد الشريعة، أن مثل هؤلاء المجرمين الذين أوغلوا في دماء المسلمين هم أشد عداء للإسلام والمسلمين من إسرائيل نفسها، ومن المستحيل أن يحرروا للمسلمين أرضا أو مسجدا، ولا يمكن أن يكونوا أبطالا إلا عند حاخامات اليهود الصهاينة في إسرائيل.