حقيقة فتنة الدهماء وهويتها وصفاتها
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قعودًا فذكر الفتن فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: “هي فتنة هرب وحرب ثم فتنة السرّاء دخلها أو دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنَّه منِّي وليس منِّي إنَّما وليِّي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء (أو الدهماء) لا تدع أحدًا من هذه الأمَّة إلاَّ لطمته لطمة فإذا قيل انقطعت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا حتى يصير الناس إلى فسطاطين؛ فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، إذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد”. [صحح إسناده كل من: احمد شاكر، السيوطي، الحاكم، المنذري، وصححه الألباني].
من صفات هذه فتنة الدهماء:
1- انها تصيب الدهماء: ومعنى “الدهماء”: عامَّةُ الناس وسَوَادُهم. وهذا المعنى دل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً”، إذن هي فتنة تصيب عموم الأمة، وغيرها من الأمم.
2- فتنة فكرية: ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً. فلم يقل عنها كما قال عن غيرها التي يكثر فيها القتل.
3- تتمادى في خطرها وأثرها على عكس ما يُقال بانقضائها لشدة دجلها: ودليله: ” فإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ”: أي: يقال كذبا ودجلاً بأنها انتهت، ولكنها في الحقيقة تزاد خطورة.
4- يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا: وهذا لشدة الشبهات التي تطرحها في الدين والعقيدة.
5- تتمايز بسببها الصفوف مؤمنين ومنافقين، ولم يقل كافرين، بل قال: منافقين، ولهذه دلالة عظيمة، لأن المؤمن لا يمكن له أن ينخدع فيعتبر اليهودي يوما مّا من المسلمين، بينما ينخدع بالمنافقين فيظنهم من المؤمنين.
6- نهاية هذا الفتنة ومصيرها إلى خروج الدجال. ودليله: “إذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد”.
فلو جمعنا هذه الصفات وحبكنا بين خيوط معانيها لكشفت لنا عن حقيقة هذه الفتنة وعن مصدرها وأثرها. فهي فتنة فكرية قائمة على الدجل وقلب الحقائق تصيب عامة المسلمين، تفتنهم في دينهم وأفكارهم وعقائدهم وتصوراتهم حتى يتفرقون بسببها إلى فئتين، فئة مؤمنة صادقة ذات عقيدة سليمة ورؤية سديدة لا ينزلقون ولا يُخدعون بسببها فلا يصفون الصادقين والأمناء بالكاذبين الخونة، ولا يصفون الكذبة الخونة بالصادقين الأمناء. وفئة أخرى منافقة قائمة على فن الدجل والتضليل الإعلامي وقلب الحقائق قصداً، فَيُشّهرون بالصادقين الأمناء حتى يقال عنهم إنهم كذبة وخونة، ويمجدون بالكذبة الخونة حتى يقال عنهم صادقين أمناء. ومن صفات هذه الفتنة (الدهيماء أو الدهماء) إذا قيل يوما كذباً ودجلاً بأن خطرها انتهى وأنها قد ماتت، ازدادت في الحقيقة شراً وخطراً وتأثيراً، وهذا بسبب انطلاقها من خصوصيات المجتمع، ورفع شعارات إسلامية أو جهادية أو تحررية أو دعوة لإقامة حكم الله في الأرض أو إقامة العدالة الاجتماعية، أو نصرة المستضعفين وإنصافهم، وغير ذلك من الشعارات البراقة التي تخص المسلمين فتجذبهم من خلالها إلى ما يريده دهاة ودعاة هذه الفتنة ومنتجوها، وهذا من شدة نفاقها ودهائها ومكر أصحابها وفن الدجل الذي يتقنونه المبني على علم الجاسوسية وعلوم النفس الاجتماعي والإنساني.
فتستمر هذه الفتنة الفكرية في تجييش الدهماء وعامة الناس، أو الرعاع ـ حسب تعبيرات اليهود (الجويم) ـ تستمر بطرح أساليبها وشعاراتها المضللة القائمة على الدجل وقلب الحقائق، مسخرة لذلك أقوى الأجهزة الإعلامية المتاحة حديثاً، ومنها عالم تكنولوجيا الاتصالات والقنوات الفضائية والإنترنت ثم تقوم بتكرار مشروعاتها وبرامجها الاعلامية المنافقة الموبوءة وتكرره وتكرره بلا كلل ولا ملل، وتنفق لأجل ذلك المليارات من النقود في كل بابٍ باطلٍ وشريرٍ ولا تبالي، لأجل تحقيق أهدافها وعقائدها، حتى يقتنع العامة بما يطرحون فتنقلب تصوراتهم، فيصدقون الكذبة الخونة أولياء الشياطين، ويذمون أصحابهم وأصدقاءهم ويعادونهم وينقلبون عليهم، فيعملون بهذه الطريقة الدجلية مع الزمن ومع الأجيال على تكنيس الأمناء واحد تلو الآخر، حتى لم يكد يبق في نظر الناس منهم أحد، فإذا انقلبت عامة تصورات الناس بما يريده دعاة هذه الفتنة ومرجوها، ينجح حينها اليهود بإخراج الأعور الدجال، وانظر الى اسمه فقد اشتق من الدجل ولكن مع صيغة المبالغة، وهذا يكون دوما في النفاق وفي المنافقين.