قد يظن البعض من مؤيدي عملية السلام أن الوضع وصل لطريق مسدود وصرنا بحاجة لطريقة جديدة، والدليل أن عباس والسلطة لجأوا لمجلس الامن والأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكانوا قبل الربيع العربي قد وضعوا قائمة من البدائل، لأن عملية السلام حينها قد وصل لطريق مسدود حتى بالنسبة لهم، لكن هذا الظن مطب، ويجب أن تظل مفاوضات عملية السلام مستمرة برغم كل شيء.
مع أن الجميع يعلم أن تحقق اتفاقية سلام على المسار الفلسطيني مستحيل، ولكنه على الأقل هو سبب كشف حقيقة إسرائيل ورفضها للسلام أمام العالم، وهو أيضا سبب حصول الدولة الفلطسينية على كل هذه الاعترافات من دول العالم في الأمم المتحدة، حيث لم يلجأوا من قبل لها بسبب عدم توفر كل ذلك الدعم سابقا.
إن مجرد استمرار المفاوضات حتى لو فرضا إلى ما لا نهاية، يجعل التوسع الإسرائيلي بطيئا جدا، وفقط من خلال الاستيطان، وهي عملية بطيئة جدا بالمقارنة مع الحروب التي أشعلتها المقاومة المسلحة فاحتلت بها إسرائيل أضعاف حجمها دفعة واحدة في عام 1967 دون خسارة التعاطف والدعم الغربي، في حين أن الاستيطان يجلب لها استنكار وإدانة غربية ودولية وحتى أمريكية بشكل متزايد، كما أن إسرائيل لا تريد عملية السلام ولا تعمل لها أبدا لأنها تعطيل لدولة إسرائيل الكبرى، وضرب للعقيدة التوارتية التي تقول إن أرض اسرائيل من الفرات إلى النيل، لأنه بعملية السلام تتقلص إسرائيل بدلا من أن تتمدد من الفرات إلى النيل.
إن الهدف الحقيقي والفائدة الرئيسة من عملية السلام، ليست الوصول فعلا الى اتفاق، وإنما لتعرية الحقيقة الصهيونية الاجرامية والاحتلالية أمام دول الغرب، والعمل على إيقاف هذا الدعم والتعاطف الغربي وتحويله لصالح القضية والشعب والدولة الفلسطينية في نهاية المطاف، عن طريق إظهار تعنت اسرائيل وتصرفاتها الغبية برفض المفاوضات والتهرب منها وزيادة الاستيطان، مقابل حرص عربي وفلسطيني شديد على المفاوضات.
وقد نجحت هذه الاستراتيجية كثيرا في السنوات الأخيرة وبدأت تظهر كثير من الحركات الغربيةـ وحتى حركات يهودية في الغرب وحتى في أمريكا تحذر من خطورة السياسة الإسرائيلية المتشددة على بقاء دولة اسرائيل، ومن شأن هذا التحول في نهاية المطاف إما أن يضطر إسرائيل لتغيير سياستها والقبول باتفاق سلام والاعتراف بدولة فلسطينية، وهذا إنجاز كبير في مضمار سياسة “خذ وطالب” الفعالة الشهيرة، وإما أن يتوقف الدعم الدولي لها وتضطر للدخول في عزلة من شأنها أن تقوض وجود هذه الدولة المصطنعة، التي من طبيعتها أنها لا يمكنها العيش إلا على أكسجين الدعم الخارجي.
أما الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب، سيعطي أوراق جديدة في المفاوضات ويضخ حياة جديدة وأملا بنتائج جديدة، ليس من إسرائيل، وإنما على صعيد تفكيك الطريقة الشاذة التي قامت عليها على مدى الزمن.