ربّ كلمة يقولها الشخص لا يُلقي لها بالاً تكون سهماً مشاركاً في قضية لا يقصدها بعينها ولا يراها. فمن صور ذلك القول بأن المعارضة السياسية السلمية أو الصراع السياسي السلمي، هو الخطوة الأولى المؤدية غالبا للصراع السياسي العسكري وإسقاط الأنظمة المستهدفة، وتغيير منهجها بالكلية.
فمن الناس وهو يمارس حقه في الصراع السياسي السلمي وحركة الإصلاح بكيفية معينة بعيدة عن الحكمة، لا يخطر بباله أنه يمارس الخطوات الاولى لإسقاط النظام عسكريا، ذلك النظام الذي يريد ثباته وأمنه واستقراره، أو أنه يمارس بتلك الكيفية التي يسلكها الخطوة الأولى في تغييره ولو سلميا ديمقراطيا على أقل تقدير.
فعلى دعاة الإصلاح والتغيير أن يحددوا موقفهم ابتداء من شرعية النظام المعيّن، فإن كانوا يرونه شرعياً، ولا يوافقون على تغييره برمته مع إيمانهم ودعوتهم لإصلاحه فلا يجوز لهم وهم كذلك أن يمارسوا ما يؤدي إلى ما لا يريدون من تغييره برمته. أما إن كانوا يقولون ما لا يبطنون، وأنهم يقصدون تغيير النظام برمته ويظهرون عكس ذلك، ـ وكثيرون هم ـ فإنهم يكونون بذلك منسجمين بسلوكهم المهيّج للشارع مع مقصدهم في تغيير النظام كله، وليس إصلاحه. وهذا الصنف من مدّعي الإصلاح هم حملة أجندات خارجية، أو متأثرين بالأجندات الخارجية. ومن سماتهم، أنهم إذا دُعوا إلى الإصلاح تأخروا خوفا من أن يقوى النظام ويستعصي في نظرهم على التغيير لما يريدونه هم.
لذلك فحالتنا الأردنية وبعد دراسة منهجية وتاريخية وأخذ العبر من التجارب التي هي من حولنا، لا يصلح فيها إلا الإصلاح السلمي المؤدي للنهضة التي يرنوا اليها المصلحون. لذا فإن على كل من آمن بهذا أن يتجنب الخوض فيما يخوض فيه مدّعي الإصلاح ممن يبطنون ما لا يظهرون، أو ممن يقصدون حقاً ما يقولون. وعليهم كذلك أن يدعوهم إلى تجنب ما يمارسون من الصراع السياسي السلمي غير الحكيم المؤدي غدا إلى الصراع العسكري حفاظا على السفينة التي فيها جميعاً يركبون. فإن لم يفعلوا فلا يلوموا إلا أنفسهم إما لسكوتهم السلبي، أو لمشاركتهم في الصراع السياسي هذا.
فليس الخلاف بين مدّعي الاصلاح والمصلحين الحقيقيين على وجوب قضية الإصلاح وفرضيتها، فإن دعوة كافة الانبياء ومن تبعهم بإحسان هي دعوة إصلاحية في أصلها. إنما الخلاف في كيفيته وشكله، ومكانه، وزمانه، وأولوياته.
اللهم ارزقنا الحكمة في القول والعمل واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مُضلين، ولا دعاة فتنة ولا ضلالة. والحمد لله رب العالمين.
عدنان الصوص
8/9/2012