بداية لعل البعض يبدي استغرابه من هذا الموضوع المثير للجدل، الذي أرادت قوى بعينها جعله طي الكتمان ثم النسيان، لذا فإنني أعتذر عن تقديم الأدلة العملية الواقعية الدالة على وجود هذا الصراع الخفي بين أمريكا وإسرائيل ـ لا لعدم وجودها فهي موجودة وقد طفا بعضها على السطح في السنوات الأخيرة ـ حتى أبين أولا سر الصراع المتمثل في الخلاف الكبير بين حقيقة الأهداف الأمريكية والأهداف الإسرائيلية، لان الهدف هو في النهاية محصلة لحركة الدولة وسياستها أو الديانة المقصودة الناشئة عن نظراتها ومفاهيمها ومبادئها العقدية الدينية.
وهذا لا يعني عدم وجود مصالح مشتركة واتفاقيات لدعم إسرائيل بالمال والسلاح والفيتو من قبل أمريكا، فان منكر هذا الأمر جاهل جهلاً مركباً والعياذ بالله. ولا يعني الكشف عن هذا السر المستور أننا نقوم بعمل دعاية خاصة لأمريكا كما يتصور بعض الربع ممن أشربوا في قلوبهم بغض كل ما هو غربي من منطلق ماركسي، أو من منطلق ثوري إسلامي بمفاهيم حزبية تحريرية.
بداية لا بد من الاتفاق على أن كلاً من اليهود والنصارى المذكورين في القرآن الكريم، لا زالوا يعيشون على الكرة الأرضية، وان عدد النصارى يعد كبير جدا قياسا على عدد اليهود، وأن لكل منهما دولة أو دولاً ترعى شؤونهم على أساس عقيدة كل منهم مع شيء من التفصيل ليس هذا مكانه. وهنا لا بد من القفز قليلا عن العلاقة التاريخية بين اليهودية والنصرانية التي قامت منذ القدم على العداء، ومن ثم عمليات اختراق اليهود للدين النصراني وتحقيق مكاسب كبيرة باسمهم ومن داخلهم، بحيث أنهم أي: اليهود، استطاعوا امتطاء الكنيسة والتسلل لكثير من مراكز النفوذ وصنع القرار في الدول التي تدين مجتمعاتها بالنصرانية وعلى رأسها أمريكا، وهذا هو أحد الأسباب الموجبة لولاية اليهود والنصارى بعضهم لبعض بين الحين والآخر.
وقبل أن أسرد أوجه التناقض الجذري بين السياسة الأمريكية، والسياسة الإسرائيلية في باطنها وليس ظاهرها، أود أن أؤكد أنني أؤمن بأن ثمة تحولات في الغرب قد جرت في القرون الوسطى، أدت إلى سحب هيمنة الكنيسة على شؤون الحياة الغربية برمتها، وذلك بسبب التجاوزات والجرائم التي ارتكبت باسم الدين النصراني وبمرسوم كنسي، مما سهل عملية إقرار علمنة الدولة من خلال فصل الكنسية عن الحياة السياسية، ولا يعني ذلك فصل الكنيسة عن الحياة الاجتماعية كما يروج له حزب التحرير بقصد التضليل.