خرج علينا حزب التحرير مؤيدا لموقف الشيوعيين والاشتراكيين ومضللي العرب برفض التدخل العسكري الدولي لحماية الشعب السوري من طغيان الحزب الاشتراكي في سوريا ومجازره. وهذا الموقف منه لا شك انه يصب في صالح نظام البعث الاشتراكي. فما السر في ذلك؟
احد الاسباب المهمة هو ان النبهاني مؤسس الحزب كان بعثيا اشتراكيا قبل تأسيس الحزب. فتراه كان يتعاطف مع حزب البعث ولا يزال. انظر النص التالي للحزب من مصدره حيث نقلته للقاريء من كتابي: (حزب التحرير الاسلامي والتضليل السياسي). في نشرة سياسية من نشرات حزب التحرير بعنوان:
(الوضع كما نراه حتى صباح 26/4/1964م)، صدرت في نفس التاريخ المذكور، ناقش فيها آخر الوضع السياسي في سوريا، عقب ثورة حماة التي استهدفت حكم البعثيين في السلطة، حيث كان تعاطف حزب التحرير مع أولئك البعثيين الاشتراكيين ومن خلفهم اليهودية العالمية، تعاطفاً واضحاً، حيث اعتبر حكم حزب الشعب والحزب الوطني والحورانيين الذين قاموا بالثورة بالتحالف مع الإخوان المسلمين والمشايخ، اعتبر حكم أولئك أسوأ من حكم البعث القائم، يقول:
((إنه من الخطأ أن يطغى على الموقف الخلاص من حكم البعث، فحكم البعث ليس بأسوأ مما قبله، والبعثيون أساساً لا يشكلون قوة سياسية مؤثرة في البلاد، ولولا تحالف القوى السياسية المؤثرة: حزب الشعب والحزب الوطني والحورانيون لما وصلوا إلى الحكم في يوم من الأيام. ومن الخطأ أيضاً رجوع حزب الشعب والحزب الوطني إلى الحكم فإنهم إن رجعوا سوف يكونون أسوأ من البعثيين))، انتهى.
وكعادة هذا الحزب المتقن لفن تزوير الواقع، ولكي يشد عطف القارئ معه إلى قبول حكم البعثيين الذين خابت تنبؤات حزب التحرير فيهم، حيث رأت الأمة الإسلامية ما حل بها على يد البعثيين في سوريا والعراق بلا وجه مقارنة مع غيره، أقول: لكي يشد عطف القارئ لحكم البعثيين، صوّر النزاع القائم في سوريا أنه نزاع بين أمريكا وانجلترا للسيطرة على المنطقة، وأخرج روسيا الشيوعية ومن خلفها اليهودية من الصراع والأزمة، حيث قال في إحدى الفقرات العديدة من النشرة:
((هذا هو الوضع السياسي، ثورة قامت في حماة أريد لها أن تعم سوريا ويُعمل لها أن تستمر حتى تطيح بحكم حزب البعث أو يقبل المشاركة في الحكم أو ما يسمونه بالمصلحة الوطنية، وهذا جزء من خطة انجليزية في خطط الصراع الدائر بين انجلترا وأمريكا، وقد قام بهذا العمل حزب الشعب والحزب الوطني بالتحالف مع الإخوان المسلمين والمشايخ، وقد وقعت البلاد في أزمة سياسية خانقة لا بد من الخروج منها))، انتهى.
فانظر إلى قُدرة حزب التحرير على إماتة الاحتمالات الحية حين يصرف النظر عن خطر البعث الاشتراكي بقوله: (والبعثيون أساساً لا يشكلون قوة سياسية مؤثرة). علما أنهم لا يزالون في سدة الحكم منذ أكثر من ثلاثين سنة!!.
إذن هي دعوة صريحة من حزب التحرير للأمة أن لا تشغل نفسها فكرياً أو عملياً للتصدي للبعثيين، فهم أقل من أن يحسب لهم حساب، ثم بالمقابل يحاول الحزب جر عواطف الناس ـ وحسب قانون إحياء الاحتمالات الميتة ـ، لكراهية كل من حزب الشعب والحزب الوطني والمتحالفين معهم من الإخوان المسلمين والمشايخ بحجة كاذبة، هي أن أولئك يسيرون ضمن جزء من خطة انجليزية في خطط الصراع الدائر بين انجلترا وأمريكا.
ويزداد المرء استغراباً وتساؤلاً حين يعلم أن ((حزب الشعب وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين أعيد تأليفه في حلب ببرنامج يستهدف مقاومة الدعوة الاشتراكية والشيوعية واكتسب نفوذاً كبيراً بشمالي سورية، وتمكن أن يؤلف بمجلس النواب معارضة قوية عام 1947، حيث فاز في انتخابات 1949، وتمكن من تأليف الحكومة برئاسة ناظم القدسي))( ).
إذن ما دام الإخوان المسلمون والمشايخ وحزب الشعب يقفون بقوة ضد الاشتراكية والشيوعية، ومن ضمنها حزب البعث، وهم المرشحون كذلك لاستلام الحكم إذا ما أطاحوا بالبعثيين الاشتراكيين في سوريا، فهذا الأمر يُقلق المنظومة اليسارية اليهودية، وعليه توجهت عاطفة حزب التحرير نحو الاشتراكيين على حساب الوطنيين الإسلاميين من أبناء الأمة، فاعتبر بذلك أن (البلاد تمر في أزمة سياسية خانقة لا بد من الخروج منها).
سبحان الله! أزمة سياسية يمر بها حزب البعث، يعتبرها حزب التحرير وهو حزب إسلامي من حيث المبدأ؟! يعتبرها أزمة سياسية خانقة أصابت البلاد، وهذا يذكرنا كذلك بموقفه المنحاز والمتعاطف مع أزمة الماركسيين في اليمن الجنوبي، حين أطاح اليمن الشمالي بنظامهم.
من خلال هذه الأمثلة المنقولة عن نصوص حزب التحرير يستطيع المرء أن يتعرف على أساليب الحزب المدروسة بدقة فائقة لقلب الواقع وتزوير الحقائق، بهدف صرف الناس عما تقوم به الشيوعية ومن خلفها اليهودية العالمية من جرائم استحلت الدماء والأموال والأعراض والأراضي، وحرمت الإنسان من حرياته التي ضمنتها له الشرائع السماوية، عدا الحرية الجنسية ليسقط فريسة سهلة بين مخالبها.