إنهم ليسوا سوى ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ، لكن من يعمل معهم يصفهم بـ«الأصدقاء الثلاثة» لأنهم يسافرون كثيرا معا وكثيرا ما يعبرون عن مواقفهم معا وكثيرا ما يجدون أنفسهم وحدهم. ويتحدث كل من جون ماكين، وجو ليبرمان، وليندسي غراهام، الشهر الحالي عن سوريا، ويوضحون السبب الذي يدعو الولايات المتحدة إلى قيادة تدخل عسكري في سوريا لوضع حد للمذابح التي يرتكبها بشار الأسد. وأوضح الثلاثة في بيان صدر في السادس من مارس (آذار): «إن الشعب السوري في مواجهة مع قوى تفوقه في السلاح والعدد. إنهم يواجهون نظاما لا حدود لوحشيته ولامتهانه الكرامة الإنسانية. مع ذلك لا يزالون عازمين على الاستمرار في النضال. إنهم يقومون بذلك دفاعا عن القيم الإنسانية العالمية والمصالح التي نشاركهم إياها. عار علينا عظيم لو تقاعسنا عن مساعدتهم الآن في لحظة الحاجة الراهنة».
مع ذلك لا يريد الكثيرون الإصغاء إليهم ومن بينهم أنصار ماكين وغراهام من الجمهوريين. وليبرمان مستقل يجتمع مع الديمقراطيين. ولم ينضم سوى عدد قليل إليهم. ووجه الرئيس أوباما انتقادات لاذعة لهم مشيرا إلى أنهم «يدقون طبول الحرب» دون الأخذ في الاعتبار تبعات هذه الخطوة. وتقتات المدونات على السخرية منهم وتصفهم بالمتهورين ودعاة الحرب، بل وما هو أسوأ من ذلك. وقال ماكين: «نحن نتلقى بعض السهام». مع ذلك لقد اجتاز الأصدقاء الثلاثة مواقف مماثلة في السابق، فمنذ عام مضى وبعد زيارة ليبيا كانوا أول من دعا حلف شمال الأطلسي إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا لمنع العقيد معمر القذافي من قتل شعبه، وكانوا يُنعتون بالتهور آنذاك أيضا. وأدان وزير الدفاع، روبرت غيتس، ما أطلق عليه «الثرثرة» عن القصف وقال إنهم يدعون إلى القيام «بعملية عسكرية كبيرة في بلد كبير».
وظل أوباما يقاومهم إلى أن بدأت فرنسا وبريطانيا تدفع باتجاه تدخل عسكري واستعدت قوات القذافي لمهاجمة بنغازي، ثاني أكبر مدينة ليبية. وأخيرا اتخذ حلف شمال الأطلسي خطوة وبعد سبعة أشهر من ذلك الحين انتهى القذافي ونظامه. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2007 كان كل من ماكين وليبرمان وغراهام من القلة في الكونغرس التي تدعم اقتراح جورج بوش الابن بزيادة عدد القوات الأميركية في العراق وهو ما ظل يدعمه ماكين لسنوات. وهاجم كل من الديمقراطيين والجمهوريين – ومن ضمنهم باراك أوباما وجو بايدن وهيلاري كلينتون (الثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ آنذاك) – هذا الاقتراح في إحدى الجلسات الساخنة في مجلس الشيوخ، في حين بات هناك إجماع حاليا في واشنطن على أن تلك الزيادة أنقذت الولايات المتحدة من كارثة محققة في العراق وأتاحت انسحاب القوات الذي انتهى منه أوباما خلال فترة رئاسته العام الماضي.
أما بالنسبة لكل من ليبرمان وماكين، فهذا الأمر يعود إلى حصار سراييفو خلال حرب البوسنة في منتصف فترة التسعينيات، فقد انضم عضوا مجلس الشيوخ إلى زعيم الجمهوريين، بوب دول، في الدفع باتجاه التدخل الأميركي في مواجهة وزارة الدفاع والرئيس الأميركي المتردد آنذاك، بيل كلينتون. ومن المعروف أن وزارة الدفاع زعمت الحاجة إلى 400 ألف فرد من القوات لإحلال السلام. وعندما قصفت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي القوات الصربية أخيرا في صيف عام 1995، توقف حمام الدم في غضون أسبوعين. وقال ليبرمان في اجتماع حضرته مع الثلاثة أعضاء المشار إليهم سالفا في مكتبه الأسبوع الماضي: «أشعر أننا نعيش تلك اللحظات الماضية مرة أخرى. يشير ذلك إلى أن إمكانية حسم أمر الحروب الأهلية تكون أكبر عندما نشارك فيها». وقال ماكين: «يوضح تاريخنا أننا كنا على حق. ويمكنكم العودة إلى تلك الجدالات السابقة لتكتشفوا استخدام الحجج نفسها عند الحديث في أمر ليبيا وكذلك لمعارضة اتخاذ أي خطوة إيجابية في البوسنة وكوسوفو. إنها الحجج نفسها التي كانت تساق عند الحديث عن الوضع في رواندا».
ولعل أكثر ما يندم عليه الجميع في واشنطن حاليا هو حالة رواندا التي شهدت عملية إبادة جماعية كانت تستطيع الولايات المتحدة أن تحول دون حدوثها. ينبغي أن يكون اتخاذ موقف في سوريا أسهل من عدة أوجه، فالأمر لا يتعلق بمجرد الحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية، ففي النهاية هزيمة الأسد ستكون «أكبر عائق استراتيجي لإيران منذ 20 عاما»، على حد قول قائد القيادة المركزية الأميركية، جيمس ماتيس، لماكين في جلسة لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ منذ أسبوعين. ومع ذلك لم تجد الحقائق والتاريخ نفعا كثيرا في الجدل بشأن الوضع في سوريا حتى هذه اللحظة، حيث تستمر كافة الأطراف في لعب أدوارها المعتادة. وتتحدث وزارة الدفاع عن الدفاعات الجوية القوية المزعومة السورية، ويزعم «الواقعيون»، كما يصفون أنفسهم، أن مساعدة المعارضة السورية سوف تؤجج حربا أهلية ما زالت في مهدها. ويقول أوباما إن «أفضل ما يمكن عمله» هو «توحيد المجتمع الدولي».
أحيانا يبدو الوضع وكأن شيئا لم يتغير منذ الجدل حول حرب البوسنة منذ 17 عاما مضت. مع ذلك هناك شيء واحد قد تغير وهو مشاركة الولايات المتحدة في حربي عصابات خلال العقد الماضي أدت إلى إنهاكها. الوضع الاقتصادي متراجع، وتغير الموضوع المفضل لنخبة السياسة الخارجية، فأصبح «معالجة التراجع الاقتصادي» بعد أن كان «القوة العظمى الوحيدة في العالم». ربما يتبين فيما بعد أن الأصدقاء الثلاثة خسروا الجدل الخاص بالوضع السوري. وستستمر المذابح وسترفض الولايات المتحدة اتخاذ موقف. وقال ليبرمان: «أتفهم رد الفعل العكسي الشعبي الذي يرفض تكرار التدخل ولا يرى أي داعٍ له، لكن إذا لم نفعل ذلك، فسنكتشف أن إحجامنا عن القيام بذلك لم يكن خطأ فحسب، بل أيضا ضياع لفرصة استراتيجية».
نقلا عن الشرق الأوسط.